بقلم: مصطفى فحص – الحرة
الشرق اليوم- في فيينا مع بداية الجولة الخامسة من المفاوضات النووية بين إيران ومجموعة دول (4+1) مع غياب أمريكي شكلي عن المباحثات، تكثر التصريحات المتناقضة داخل الفريق الواحد وبين جميع الأطراف، وعلى ما يبدو أن الفريق المعني والمطالب بأكثر مما يستطيع انتزاعه والمطالب بأن يعطي أكثر مما يستطيع الحصول عليه، لم يأنس بعد للمفاوضات، ولجأ إلى رمي التهم على الأطراف الأخرى التي تبدو أنها أكثر انسجاما في كيفية التعاطي معه.
قلق طهران من كيفية جدولة المفاوضات والربط بين بنودها، وتخلي الطرف الأساسي المعني عن فكرة التزامن ما بين عودة إيران الكاملة إلى الاتفاق ورفع واشنطن الكامل للعقوبات، خرج يوم الجمعة الفائت إلى العلن على لسان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية سعيد خطيب زاده الذي اتهم واشنطن ولندن بحرف أهداف المفاوضات.
خطيب زاده المحبط كما جاء في تغريدة له، أوضح من خلال تصريحاته أن بلاده لم تأنس بزيارة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، والبريطاني دومينيك راب إلى تل أبيب، وكتب تغريدة على حسابه على تويتر: “وزيرا خارجية أمريكا وبريطانيا وبغية كسب رضا العدو اللدود للاتفاق النووي، يقومان بتحريف مفاوضات فيينا”، مضيفا “إنه لأمر محبط”.
اتهام طهران لبريطانيا والولايات المتحدة بتحريف المفاوضات أو حرفها عن المسار الذي ترغب فيه طهران، وعلاقته بزيارة إسرائيل، يربطه الكاتب اللبناني خير الله خير الله بحرب غزة الأخيرة، ويضيف أن “الصواريخ التي استخدمتها حماس في المواجهة الأخيرة، دفعت الأطراف الأخرى إلى التشدد حيال مشروع إيران الصاروخي”. حيث لم يعد ممكنا بالنسبة للمفاوضين الفصل ما بين المفاوضات النووية ومستقبل المشروع الباليستي الإيراني وهذا ما بات يؤرق طهران.
عمليا بات واضحا أن التوصل إلى اتفاق نهائي في المدى القريب صعب، وهذا ما أقرت به أغلب أطراف المفاوضات التي اعترفت بأنه كلما اقتربت المحادثات من التوصل إلى اتفاق نهائي أصبحت المهمة أكثر صعوبة وتعقيدا. وهذا ما دفع كبير المفاوضين الإيرانيين عباس عرقجي إلى أن يكون حذرا ويقلق من مستوى التفاؤل في هذه الجولة إذ قال للتلفزيون الرسمي إنه “ما زالت هناك قضايا خطيرة ومهمة تحتاج إلى حل”.
لم يعد ممكنا بالنسبة للمفاوضين الفصل ما بين المفاوضات النووية ومستقبل المشروع الباليستي الإيراني وهذا ما بات يؤرق طهران.
من جهتها بدت واشنطن حتى قبل بدء هذه الجولة من المحادثات أكثر حزما، وتصر على أن تقوم طهران بالخطوات المطلوبة منها، وأن تأخرها سيعيق أي احتمال للتوصل إلى نتائج ملموسة في هذه الجولة، وتظهر أنها غير مستعجلة وأن الوقت يعمل لصالحها فيما طهران لا تملك ترف الوقت وهو يحاصرها داخليا وخارجيا وقد تتسبب أوضاعها الداخلية والانتخابات الرئاسية إلى اتخاذ خطوات متشددة حماية لنظامها الذي يمر بمرحلة انتقالية قد تجبره على التشدد النووي وغير النووي.
لا تبدو الأطراف الغربية في المفاوضات معنية في أوضاع طهران وتحدياتها الداخلية والأزمة التي يعيشها النظام، لذلك تمارس تشددا عندما تصل المفاوضات إلى مفاصل رئيسية لا يمكن التراخي فيها، وهذا كان واضحا في الموقف الذي أطلقه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن قبل أيام حينما أكد أن بلاده لم تر بعد أي مؤشر على أن طهران ستفعل ما ينبغي فعله من أجل التقيد بالالتزامات النووية، في سبيل رفع العقوبات المفروضة عليها. وأضاف “أعتقد أن إيران تعرف ما ينبغي لها فعله كي تعاود الامتثال للالتزامات النووية”.
ترفض طهران أن تكون رهينة الانتظار وأن تستمر في جولات المفاوضات فقط من أجل المفاوضات، وتضييق الخناق عليها من أجل انتزاع تنازلات منها ستؤثر على هوية النظام وطبيعته، خصوصا مع الإصرار الغربي على ضرورة مناقشة ملفات أخرى كالصواريخ الباليستية والنفوذ الإقليمي وهي القضايا الجوهرية التي تعطل الإعلان عن أي تفاهم في فيينا كلما اقترب النقاش من هذه الملفات.
وعليه فإن الوفد الإيراني المفاوض لا يشعر بأي استئناس في فيينا، وهو أكثر ميلا إلى القلق والتوتر بسبب كثرة التفاصيل المسكونة بشياطين كفيلة بأن تعيد المفاوضات إلى نقطة الصفر.