بقلم: أكرم القصاص – اليوم السابع
الشرق اليوم- المتابع للتحولات والتطورات فى الشرق الأوسط، يلفت نظره أن هناك بالفعل تغيرا كيفيا فى بعض الملفات، بعد توقف الصدام والحرب نسبيا فى أكثر من مكان، وهو ما قد يفتح الباب لإغلاق عقد أو أكثر من الصراع والحروب الأهلية بالوكالة، لم تصل إلى أي نتيجة غير مئات المليارات من الخسائر، وآلاف القتلى والجرحى وملايين اللاجئين، ولم يستفد من هذا سوى المرتزقة وتجار الحروب والسلاح، بل إن مطالب التغيير نفسها اختفت ودفنت تحت أنقاض المباني المتهدمة واختفت خلف دخان الانفجارات.
ربما لهذا دائما ما تبرز الرؤية المصرية، التى تنبع من رفض الحرب، وأهمية المسارات السياسية، حيث الحروب لا تنتج سلاما، وتدمر الحاضر والمستقبل، فهل يمكن أن تكون مقدمة لمرحلة تحول جديدة؟
ولا أحد يمكنه التنبؤ بمدى استمرار هذا الوضع، وكيف يمكن أن يسفر عن واقع سياسي أو مسار يختلف عن مسار الحروب التي تواصلت على مدى سنوات، ولم تنجح أي من القوى التي شاركت فى الحرب والصراع والحروب بالوكالة فى تقديم مبرر لهذا الصراع أو أن تقدم حلولا غير الحروب، بل إن هذه المرحلة كشفت عن علاقات عضوية بين تنظيمات الإرهاب من جهة، وبين ممولي الفوضى وتجار المنظمات المدنية والدعائية من جهة أخرى.
اليوم لا يمكن لأي مراقب تجاهل حالة الهدوء النسبي على جبهات ظلت مشتعلة لسنوات. فى ليبيا هناك مسار سياسى وحديث عن ترتيبات إجراء الانتخابات ومناقشات وحوارات واسعة عن السياقات القانونية والسياسية القادمة، وأيا كانت المناقشات، فهو مسار كان يبدو مستحيلا قبل عام واحد، فقط قبل الخطوط الحمراء المصرية، ورعاية الحوار بين الأطراف الليبية الذي أثمر حوارا وطريقا لبناء مؤسسات واستقرارا يسمح لليبيين بإدارة شؤونهم وإنهاء مرحلة صعبة، وإخراج الأجانب والميليشيات والمرتزقة المشاركين فى حروب بالوكالة.
فى سوريا، قد يبدو الوضع أصعب لكنه أيضا لا يخلو من هدوء نسبي، تحولت مطالب التغيير إلى حرب أهلية واسعة النطاق وحروب بالوكالة لصالح أطراف ودول وأجهزة، وخلف هذا الصراع أكثر من 380 ألف قتيل وملايين اللاجئين، ودمر مدنا واقتصادا. توقفت الحرب فى سوريا قبل عامين من هزيمة داعش والتنظيمات الإرهابية ومقتل البغدادي، اختفت تقريبا أخبار التفجيرات والهجمات، التي استمرت ما يقرب من عشر سنوات، وهناك أطراف من داعمي الحرب أعلنوا عن تدعيم مبادرات الحل السياسي فى سوريا وإنهاء الصراع.
وإن كان الحل السياسي فى سوريا صعبا، لكنه يبقى الخيار الأفضل للحفاظ على ما تبقى، لكن ضمن العقبات، حجم التشتت فى التيارات السياسية التى تتوزع بين تكوينات صغيرة، تتبع كل منها جهة، وما لم يتوقف الدعم، فإن الصراعات بالوكالة قائمة، يضاف إلى ذلك أن الأطراف الدولية التي كانت تدعم الحرب أصبحت تتحدث عن مسار سياسي، وبعض المحسوبين على المعارضة ليس لديهم أي تصور لخطاب واضح بديل للاتهامات والتصورات الجامدة، وأيا كان الموقف من الانتخابات السورية، فإنها تشير إلى وجود نواة للدولة بالرغم من سنوات الحرب، بل إن الانتخابات الأخيرة شارك فيها ملايين السوريين، وربما تكون مقدمة لمزيد من الخطوات، تتيح استقرارا يسمح بعودة بعض اللاجئين، خاصة أن هناك تيارا أوروبيا يدفع نحو تدعيم المسارات السياسية، ويرى أن أوروبا تدفع ثمن الإرهاب والصراع واللاجئين.
لقد أثبتت السنوات الماضية أن الحروب تلد المزيد من الصراعات، ولا يمكنها إتاحة أى فرصة لمسارات سياسية، وأن تجار الصراع والمرتزقة هم فقط الرابحون من ماكينات الحروب بالوكالة.