بقلم: علي قباجة – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- لا يزال العراق يمور، فشعبه عقد العزم على تأييد الذين أطلقوا ثورة تشرين الأول/ أكتوبر عام 2019، بعدما أدرك العراقيون أن تضحياتهم ذهبت أدراج الرياح، ولم يكن لها نصيب على الأرض.
حكومة مصطفى الكاظمي التي أمسكت زمام الأمور بعدما أُطيح بسلفه عادل عبد المهدي، صادفت عراقيل في الكشف عن الجهات التي تدبر وتنفذ عمليات الاغتيال، أو إصلاح الأوضاع الاقتصادية، ووضع حلول للبطالة المتفشية، كما واجهت عراقيل لإصلاح الخدمات المنهارة، وتردي الأوضاع المعيشية، في حين لم تستطع إلغاء نظام المحاصصة السياسية، ومحاسبة الفاسدين ضمن المنظومة السياسية العراقية.
ورغم الفرص التي منحها الناشطون للحكومة للقيام بواجبها، إلا أن العوائق التي وضعتها الميليشيات زادت الأوضاع سوءاً، لتدفع قطاعاً عريضاً من الشارع إلى المناداة بإعادة الحراك، حتى تنفيذ المطالب. وبالفعل خرجت تظاهرات حاشدة في اليوم المحدد الذي كان في 25 الشهر الجاري، حيث يعود اختيار هذا اليوم للتظاهر إلى دعوة الناشط المدني -الذي اغتيل أمام منزله في 9 مايو الجاري- إيهاب جواد الوزني، العراقيين للتظاهر ضد قتلة المحتجين، ومطالبة الجهات المختصة بمحاسبتهم وتقديمهم للعدالة. وبرغم مقتل الوزني، إلا أن زملاءه حرصوا على الالتزام بالموعد الذي خصصه للتظاهر. وقدم متظاهرون إلى ساحات التحرير والنسور والفردوس في بغداد من محافظات البصرة وذي قار وميسان وبابل وكربلاء والنجف وواسط والديوانية والمثنى، في حين هدف تكتيك المتظاهرين الجديد إلى التظاهر في أكثر من ساحة، وعدم تركزها في ساحة واحدة، تفادياً للتضييق الأمني.
مطالب المحتجين واضحة لا لبس فيها، ومن أهمها: تحسين النظام الانتخابي، وتقديم من قتلوا المتظاهرين السلميين، والمطلب الأخير كان قد وعد به الكاظمي في برنامجه الحكومي، ولم ينفذ بالشكل المطلوب إلى الآن ما أضعف قبضته.
الكاظمي جاء ببرنامج طموح، توسم العراقيون به خيراً، ولكن يبدو أن مجاديفه تكسرت بسبب الميليشيات المنتشرة التي ترى نفسها فوق الدولة، فعندما عزمت الأجهزة الأمنية على تنفيذ مذكرة قبض قضائية بحق قائد عمليات “الحشد الشعبي” في الأنبار قاسم مصلح، وصل التوتر إلى أوجه، ورفض الحشد مذكرة الاعتقال، حيث شهدت بغداد توتراً أمنياً، ما دفع القيادة العراقية إلى عقد اجتماع رباعي طارئ رفضت فيه الانتقاص من هيبة الدولة وسيادتها.
ما حدث من تصادم بين الأمن والحشد يشير إلى أن يد الحكومة قاصرة، وأنها بحاجة إلى إعادة هيكلة وثورة داخلية لتتحرر من ضعفها في مواجهة التحديات، وهذا الحادث أيضاً يشكل قوة دافعة للمكونات العراقية والناشطين للاستمرار بالاحتجاجات، لقطع الأيادي التي تحاول إجهاض بناء الدولة وتحقيق العدالة.
الحكومة أمام مسؤولية دعم مطالب المتظاهرين، ومساندة تحركاتهم، لتقوى بهم ويقووا بها للوصول إلى عراق ذي سيادة، بعيداً عن عبث القوى الداخلية والخارجية، وإلا فإنه في طريقه لمزيد من التعقيد، وعندها قد لا تقوم له قائمة.