افتتاحية صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – فيما تجري الاستعدادات لأول قمة بين الرئيس الأمريكي جو بايدن، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في مدينة جنيف السويسرية يوم 16 يونيو (حزيران) المقبل، أبلغت واشنطن موسكو أنها لن تعود إلى معاهدة للحد من التسلح تسمح بتسيير رحلات جوية غير مسلحة فوق عشرات الدول الموقعة على المعاهدة المسماة «الأجواء المفتوحة» أو «السماوات المفتوحة» التي كان تم إقرارها في العام 1992 من جانب 27 دولة في العاصمة الفنلندية هلسنكي، وبدأ العمل بها في أول يناير (كانون الثاني) 2002، وتضم حالياً 32 دولة، وتسمح المعاهدة بتسيير طائرات استطلاع مزودة بأجهزة رؤية تمكنها من رصد جميع أنواع الأسلحة المتواجدة على الأرض في الدول الأخرى أثناء تنفيذ مهماتها. وتقوم المعاهدة على تعزيز التفاهم المتبادل والثقة عن طريق إعطاء الدول الأعضاء دوراً مباشراً في جمع المعلومات عن القوات العسكرية والأنشطة التي تهمها.
قرار إدارة بايدن الذي تبلغته موسكو هو ترجمة للقرار الذي كانت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، قد اتخذته في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، بعدما كانت واشنطن وموسكو تبادلتا الاتهامات بخرق المعاهدة التي كانت تساهم بإزالة الشكوك بين الدول الموقعة عليها، وتجنب المفاجآت وتقليل احتمال اندلاع النزاعات، لأن المعاهدة تنص على أن أراضي الدول الأعضاء بأكملها مفتوحة للمراقبة، ولا يجوز تقييد رحلات المراقبة إلا إذا تعلق الأمر بسلامة الطيران المدني بغض النظر عن الأمن القومي.
روسيا أعربت عن أسفها للقرار الأمريكي، ووصف نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف، القرار بأنه «خطأ سياسي»، وقال إن واشنطن وجهت ضربة جديدة لنظام الأمن الأوروبي، ووصف اتهام موسكو بأنها انتهكت المعاهدة بأنه «سخيف تماماً». لا شك أن الانسحاب الأمريكي من المعاهدة يضفي أجواء سلبية على القمة المرتقبة، ولا يساعد في توفير أجواء ملائمة لمناقشة الأمن الاستراتيجي الدولي وقضايا التسلح ومراقبتها، كما أنه يضعف من قدرة الدول الأوروبية على مواكبة القدرات والتحركات العسكرية الروسية على حدودها، لذلك أعرب حلفاء الولايات المتحدة في «الناتو» عن أسفهم للقرار الذي كان اتخذه ترامب وطالبوه بإعادة النظر فيه، وقال وزراء خارجية الحلف إن المعاهدة تساهم في الأمن والسلم في النصف الشمالي من الكرة الأرضية برمته، وإن وجود صعوبات من الجانب الروسي لا يبرر الانسحاب.
تحرك الدول الأوروبية لإنقاذ المعاهدة له ما يبرره، جراء مخاوفها من فقدان مصدر مهم للمعلومات عن روسيا، خصوصاً بالنسبة للدول الأقل تجهيزاً في الحصول على المعلومات التي كان يتم تبادلها بين الدول الموقعة على المعاهدة.
الآن أغلقت الأجواء، ولم يعد بمقدور أية دولة القيام بأي نشاط استطلاعي فوق أية دولة أخرى، كما لم تعد هناك أية معاهدة قائمة بين روسيا والولايات المتحدة إلا معاهدة خفض الأسلحة الاستراتيجية (نيو ستارت) التي تضع قيوداً على نشر الرؤوس النووية الاستراتيجية وأنظمة إطلاقها.