بقلم: جمال الكشكي – صحيفة “البيان”
الشرق اليوم – لم تتوقف وسائل الإعلام العالمية، عن التأكيد على الدور المحوري والتاريخي، الذي لعبته مصر من أجل التوصل لوقف إطلاق النار، وعقد هدنة بين الجانبين، الإسرائيلي والفلسطيني، وإنهاء حالة التخريب والدمار التي استمرت 11 يوماً متتالية.
بصمة القاهرة في إيقاف هذه الحرب، أيقظت الحسابات الدولية على ضرورة إعادة النظر في حقوق الشعوب.
حل الدولتين، وإقامة دولة فلسطين المستقلة، ليس فقط انتصاراً للشعب الفلسطيني، إنما انتصار عربي وعروبي جديد. رئة جديدة للسلام والقوة في المنطقة. إنهاء آخر بقعة للاحتلال، واجب دفعت أثمانه غالياً الأجيال الفلسطينية المتعاقبة.
البناء على ما حدث هو الأهم في المرحلة المقبلة، لضمان الوصول إلى إقامة دولة فلسطين على حدود الرابع من يونيو عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية.
ما المطلوب؟ وكيف يتم البناء على ما حدث؟
هناك محاور عدة فاصلة في هذه القضية، تنبغي المسارعة في العمل بها وعليها، بكل قوة، تتمثل فيما يلي:
الهدنة بين الإسرائيليين والفلسطينيين هدنة شفهية، وغير مشروطة، ومن ثم تحتاج إلى تثبيت وترسيخ مفاهيمها بين الجانبين، لضمان استمرارها لحين الوصول إلى اتفاق طويل المدى، يفضي إلى المشروع الحقيقي المتمثل في إرادة الشعب الفلسطيني، والشعوب العربية في حل الدولتين وإقامة دولة فلسطين، على حدود الرابع من يونيو عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية. فتجارب الحروب السابقة تقول: إن أي كسر للهدنة سيعيد الأوضاع إلى المربع الأول، وهذا ليس بعيداً عما عشناه في أعوام 2008، 2012، 2014، ربما تحمل هذه المرة دلالات وإشارات تقود إلى ضوء أكثر وضوحاً من المحاولات السابقة، وبالتالي، فإن الحفاظ على الهدنة سيكون بمثابة خطوة فاصلة.
من المحاور المهمة والضاغطة أيضاً، العمل على توحيد الشعب الفلسطيني، فهذه نقطة تستغلها دائماً إسرائيل في ابتزاز المجتمع الدولي، والزعم بأنها لا تجد شريكاً فلسطينياً واحداً في التفاوض أو في عقد اتفاق سلام، أو تسليم الدولة الفلسطينية المستقلة إليهم، وذلك انطلاقاً من تفتت وتعدد الأصوات الفلسطينية، وهذا ما يجعلنا نؤكد صواب مسارات القاهرة، عبر ما يقرب من عشرين عاماً في توحيد القوى الفلسطينية المختلفة، من خلال سلسلة طويلة من حوارات المصالحة، للوقوف على أرض صلبة، تحمي وتحافظ وتحقق مصالح الشعب الفلسطيني القائمة على إنهاء الاحتلال، وإقامة دولة مستقلة كاملة السيادة، بحدود معترف بها دولياً، وتحقيق هذه المصالحة سيقود حتماً إلى أرض صلبة لإجراء جميع الاستحقاقات الدستورية، سواء انتخابات رئاسية أم تشريعية، الأمر الذي يضع ملامح حقيقية للدولة يشعر بها شعبها، ويكون مقنعاً أمام المجتمع الدولي، بضرورة التفكير الجاد في إنهاء آخر احتلال في التاريخ، لا سيما أن حسابات بقاء الأوضاع كما هي تقول: إن الخسائر ستكون فواتير باهظة.
ليس فقط بالنسبة للمنطقة، إنما للعالم أجمع، متمثلاً في أوروبا ومصالح الولايات المتحدة في المنطقة، وبالتالي فإننا أمام لحظة وطنية لا بد من استثمارها والالتفاف حولها والبناء عليها.
إذا كان ذلك يتعلق بالداخل الفلسطيني، فإننا أيضاً أمام مطالب من العالم العربي، من شأنها أن تقود إلى مزيد من الزخم والقوة لتحقيق أهداف القضية، فكل المؤشرات الحالية تقول: إننا أمام فرصة حقيقية إذا ما تباطأنا في استثمارها، فإننا نصبح في تلك اللحظة، مثل الشمس التي هربت إلى الغروب.
ومن هنا، إذا كنا – نحن العرب – مهمومين بهذه القضية على مر التاريخ، فمن الواجب علينا الآن ألا نرى في الأفق غيرها، وأن تكون دولة فلسطين هي القضية التي توحدنا، وتجمعنا، بغض النظر عن تفاوت الرؤى في تقدير المواقف الأخرى.
إذا نجحت وحدة الفلسطينيين، وإرادة العرب، فقطعاً ستكون لدينا مكاسب وأوراق تضعنا بقوة أمام المجتمع الدولي، المتمثل في منظمة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، والقوى العظمى، لكي ينظر بعين العدالة، والقوانين والمواثيق والقرارات الدولية، ذات الصلة بهذه القضية التاريخية، التي ظلت مرادفاً لفقدان الثقة في المؤسسات والمواقف الدولية.
ربما يتساءل البعض: لماذا هذه المرة نشعر بإمكانية تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني، وتحقيق استقرار الشرق الأوسط بالكامل، ومصالح المجتمع الدولي؟
الشاهد، أن حرب هذه المرة، بمثابة النقطة التي فاضت الكيل لدى الفلسطينيين، وحرّكت مشاعر العالم تجاه التصعيد الإسرائيلي.
هذه واحدة، أما الأخرى، فتتعلق بحالة السيولة التي تعيشها دولة إسرائيل في الداخل، والتي عبّر عنها الإسرائيليون عبر تخوفاتهم من انهيار الدولة اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً. هذا فضلاً عن الحديث الدائر في الداخل الإسرائيلي حول تنظيم حملات هجرة عكسية، الأمر الذي قد يدفع إلى الجلوس إلى طاولة التسليم بالحقوق الشرعية للآخرين، أما النقطة الثالثة في إجابة هذا السؤال، فتتمثل في شعور المجتمع الدولي، بأن انتهاكات إسرائيل صارت عبئاً عليه أمام الضمير الإنساني، وحسابات الاستقرار الدولي.