بقلم: كفاح محمود كريم – صحيفة إيلاف
الشرق اليوم- بين الصين وبعض من شقيقاتها في جنوب شرق اسيا وبين العراق ومصر وشقيقاتهما من دول الشرق الاوسط مسافات بعيدة جغرافيا لكنها قريبة جدا في طبيعة مجتمعاتها ومواصفاتها التكوينية وموروثاتها الحضارية والفلكلورية، ورغم هذا البعد والقرب في كلا الحالتين لكن هناك فرق هائل في التطور الذي حصل فيهما منذ نهاية اربعينيات وخمسينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا، وموضوع المقارنة يثير الكثير من التساؤلات رغم إن الأمر لا علاقة له بإجابة أو وجهة نظر، بقدر ما هو عملية بحث عن خلل بنيوي يتعلق بجملة من المرتكزات الاساسية في البناء والتركيبات التربوية والاجتماعية وربما العقائدية وما يلحق بها ممن عادات وسلوك متوارث، ناهيك عن التأويلات والتفسيرات لكثير من النصوص والعقائد والنظريات في مجتمع قبلي وأسري يرتبط عضوياً بالبداوة والزراعة وما يتعلق بهما من قوانين وضوابط وارتباطات، ولذلك ذهبنا إلى محاولة لمقاربة مجتمعات هي الأقرب في ظروف تكويناتها وطبيعة تركيباتها الاجتماعية والاقتصادية، ففي نهايات الاربعينيات من القرن الماضي وتحديدا في عام 1949م سجل التاريخ السياسي والاجتماعي للشعوب حدثاً مهماً في قارة آسيا وهو انطلاق الثورة الصينية العارمة بقيادة الزعيم الشيوعي ماو تسي تونغ، ولم تمضِ الا ثلاث سنوات حتى سجلت قارة افريقيا حدثا كبيرا آخرا قاده احد الضباط الثوريين في تموز 1952م، في واحدة من اقدم ممالك العالم الا وهي مملكة مصر وارثة ممالك الفراعنة التي اسقطها الزعيم القومي العربي جمال عبدالناصر في ثورة غيرت وجه الشرق الأوسط برمته بل وجه افريقيا وحركاتها التحررية فيما بعد، والمثير أن الثورتين الصينية والمصرية تصنفان على يسار الحركة السياسية في العالم آنذاك، وهناك الكثير من التشابهات بين الدولتين والشعبين فيما يتعلق بالتاريخ والحضارة التي تمتد في كليهما إلى عدة آلاف من السنين، إضافةً إلى التشابه في نسبة الأمية والفقر العالية قياسا لكثافة السكان، مع انخفاض مريع لإنتاجية الفرد والمجتمع أبان قيام الثورتين، وربما بعدهما بسنوات ليست طويلة ما حدث في كوريا ثم قيام الثورة العراقية في تموز 1958م والكثير من هذه الدول وأنظمتها الاجتماعية المحافظة وما جرى فيها خلال عدة عقود من الزمن المزدحم بالإنجازات في بعضها والمتقهقر في بعضها الآخر؟
لقد خاضت حكومات وشعوب تلك الدول حروباً وصراعات وانقسامات وانقلابات وثورات كثيرة متشابهة احيانا ومختلفة الى حد ما في أحيان أخرى، لكنها رغم ذلك وبعد ما يزيد على سبعين عاماً بقليل استطاعت أن تُحدث تغييراً نوعياً كبيراً في مسار تقدمها وشكل ومضمون حضارتها وبالذات في الصين العظمى والصغرى في تايوان والأصغر في هونك كونك وما حصل من تطور مذهل في كوريا الجنوبية وماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة، ومن هنا حيث نقطة الشروع واحدة وفي ظل ظروف تكاد تكون متطابقة يبرز السؤال الأهم عن الفروقات بين المجموعتين، وما حصل خلال ذات الحقبة الزمنية من تقهقر مريع وحصاد هزيل في بلداننا، وكيف غدت دول مثل مصر والعراق وسوريا ومن ماثلهم في الشرق الأوسط وبأمكانيات ليست قليلة إن لم تكن عظيمة، غدت متأخرة تتقهقر في كل مناحي الحياة قياسا مع المجموعة الثانية في الصين الصغيرة منها والعظمى، وما نتج في كوريا وكثير من بلدان جنوب شرق آسيا التي لا تختلف كثيراً عن دولنا وشعوبنا؟
ورغم أن المقارنة متعمبة ومؤلمة أيضا لكن يبقى السؤال عن ماهية مراكز القوة في المجموعة الأولى، وكيف قدمت هذا المنتج المذهل المبهر في كل من الصين وكوريا الجنوبية وماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة، بينما وبنفس الفترة تقريبا ومع اشتراك المجموعتين بظروف متشابهة تقهقرت دول الحضارات القديمة مصر والعراق وسوريا لدرجة اقتراب العراق وسوريا من الضياع، فاين تكمن إذن نقاط الضعف والخلل التي تسببت في هذا الانهيار والتقهقر والانكفاء؟
الأسئلة كثيرة ومؤلمة وتحتاج الى مكاشفة وجرأة قبل الولوج في الأجابة، تحتاج الى تشخيص الداء قبل وصف الدواء، وذلك يستلزم تحديد مكامن الخلل بجرأة وشفافية، خاصة عند اجراء مقارنة بين دولنا وبين الصين وكوريا الجنوبية وماليزيا وبقية هذه المجموعة، حتى ننجح في وضع خارطة طريق للأجيال القادمة لا تعتمد ذلك الكم الهائل من الموروث المربك وما يلحقه من عادات وتقاليد ونظريات وتأويلات اجتماعية ودينية أثبتت فشلها على أرض الواقع، بل كانت المعوق الاساسي لتقدمنا والسبب الرئيسي لفشل كل انظمتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ويبقى السؤال هل ما يزال طلب العلم متاحا من رفاقنا أهل الصين، أم انه أي علمهم كفر والحاد!؟