افتتاحية صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – تشهد المنطقة نشاطاً دبلوماسياً مكثفاً، تقوده مصر والولايات المتحدة، وبتأييد من الدول العربية ومعظم المجتمع الدولي، لتثبيت وقف إطلاق النار بين الفلسطينيين والإسرائيليين، على خلفية المواجهات العسكرية الضارية التي استمرت أحد عشر يوماً، وأدت إلى وقوع مئات الضحايا، إضافة إلى دمار واسع في قطاع غزة المحاصر.
هذا الحراك الذي يتجاوز تثبيت وقف إطلاق النار، وصولاً إلى هدنة دائمة، وإعادة إعمار القطاع، لا بد أن يأخذ في الاعتبار أن الهدنة الدائمة تتطلب مقاربة مختلفة تماماً عن المقاربات السابقة التي كانت تتجاهل أسباب الصراع، وتتعامل مع الوضع على أساس الاكتفاء بتبريده، والإبقاء على الجمر تحت الرماد.
لم تنجح الإدارات الأمريكية السابقة في تحقيق أي تقدم، لأنها لم تلتزم في أن تكون «وسيطاً نزيهاً»، كما هو مفترض، بل كانت تمالئ إسرائيل حيناً، وتغضّ الطرف عن ممارساتها حيناً آخر، ما كان يشجعها على الاستمرار في سياسة الضمّ والتهويد، ورفض تنفيذ كل القرارات التي صدرت عن الشرعية الدولية بخصوص القضية الفلسطينية، إنْ لجهة حقوق الفلسطينيين الثابتة في أرضهم، أو حق تقرير المصير، وحق العودة، ورفض الاحتلال، وقيام الدولة الفلسطينية، والمحافظة على الوضع التاريخي والديني لمدينة القدس.
إثر مؤتمر مدريد العام 1991، الذي شاركت فيه إسرائيل بضغط من الرئيس الأمريكي، جورج بوش الأب، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك إسحق شامير «سنجعل الفلسطينيين يفاوضون مئة عام من دون أن يتقدموا خطوة إلى الأمام»، ومن يومها قامت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بترجمة هذا القول بحذافيره. فالمفاوضات التي أعقبت اتفاق أوسلو الذي وقعه ياسر عرفات وإسحق رابين العام 1993، ظلت تراوح مكانها منذ ذلك التاريخ، لأن الجانب الإسرائيلي كان يتعمد، كسب الوقت، وإغراق المفاوضات بجزئيات وقضايا هامشية، كي يواصل عمليات قضم الأراضي، وتوسيع الاستيطان، واستكمال مخطط التهويد، ويجعل بالتالي من مطلب قيام دولة فلسطينية مترابطة ومتواصلة أمراً مستحيلاً.
لم تكن إسرائيل جادة على الإطلاق في التوصل إلى تسوية، لذلك كانت كل أسباب المواجهة تتراكم، وهو ما تكرر خلال هذه الفترة على شكل احتجاجات في الأراضي المحتلة، على غرار انتفاضة الحجارة، وانتفاضة القدس، إلى أن وصلت إلى الحرب الأخيرة التي شكلت تحولاً في مسار المواجهات مع إسرائيل، وفي مواقف الرأي العام العالمي.
أكدت الحرب الأخيرة أن صراع الإرادات بين الفلسطينيين وإسرائيل، رغم الفارق الهائل في موازين القوة بين الطرفين، هو صراع مفتوح، وقد يتسع مداه وتشارك فيه قوى إقليمية، ويتعرض الأمن العالمي إلى خطر فعلي، إذا لم تمارس الولايات المتحدة تحديداً، نهجاً جديداً في التعامل مع هذا الصراع، وإلزام إسرائيل التخلي عن المفاوضات العبثية، وهذا الدور لن تستطيعه إلا الإدارة الأمريكية، لأن إسرائيل تعتمد في مواصلة عبثها وصلفها على التأييد الأمريكي، دون غيره.