بقلم: فيصل عابدون – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – في مطلع التسعينات أصيب الضمير الإنساني بصدمة شديدة وهو يشاهد قوافل من البؤساء يرتدون أسمالاً بالية، ويستبد بهم الرعب والفزع وهم يفرون من مناطقهم إلى مستقبل مجهول، هرباً من القتل الأعمى بعيد اندلاع الحرب الأهلية في رواندا وبورندي، وما ارتبط بها من جرائم وفظاعات القتل الجماعي والتطهير العرقي والمجازر الدموية التي راح ضحيتها عشرات آلاف الأشخاص.
هذه المشاهد المؤلمة لم تنته عند حدود القارة الإفريقية، لكنها انتقلت بسرعة إلى أوروبا، حيث نقلت القنوات الفضائية التلفزيونية فظاعات أشد قسوة في حرب البوسنة والهرسك التي خلفت آلاماً وأحزاناً لا مثيل لها. وشاهد العالم مجدداً قوافل من البؤساء الذين يمزقهم الخوف والفزع من الناجين من المذابح البشرية التي ارتكبها الصرب بحق المدنيين الأبرياء، والباحثين عن الأمان في المجهول بعيداً عن أوطانهم الصغيرة.
كان هذان الحادثان مؤشرين لبداية مرحلة من الاضطرابات سرعان ما اتسع نطاقها لتشمل مناطق جغرافية جديدة وشعوباً لطالما كانت تعيش في أمن ودعة، ولم يخطر ببالها أبداً فقدان الاستقرار والأمن أو الاضطرار إلى الهروب ومغادرة مناطقها إلى المجهول.
ويقول تقرير أصدره مركز مراقبة النزوح الداخلي والمجلس النرويجي للاجئين هذا الأسبوع، إن الحروب الأهلية والنزاعات المسلحة ليست السبب الوحيد في دفع المجموعات البشرية إلى هجر مناطقها والنزوح إلى مناطق أخرى، فالكوارث الطبيعية مثل موجات الجفاف والزلازل المدمرة والفيضانات يمكن أن تشكل تهديدات حياتية في المناطق المنكوبة بهذه الكوارث.
والنزوح الداخلي يختلف بالطبع عن اللجوء لدول أخرى. فالنازح يبقى في بلده الأم، لكنه يعيش على أطراف المدن، ويفقد القدرة على توفير الحياة اللائقة لأسرته أو التعليم لأطفاله. أما اللاجئ فهو الشخص الذي يفر من بلده إلى بلد آخر، ويعيش هناك مع عائلته في مخيمات تشرف عليها المنظمات الدولية.
ويقول التقرير المشترك للمركز والمجلس النرويجيين إن النزاعات والكوارث الطبيعية دفعت شخصاً واحداً للنزوح ضمن بلده كل ثانية العام الماضي، وهي إحصائية مخيفة تعني بلغة الأرقام أن أكثر من أربعين مليون شخص تحولوا إلى نازحين خلال عام واحد. ويوضح أن ثلاثة أرباع الأشخاص الذين نزحوا داخلياً العام الماضي، كانوا ضحايا كوارث طبيعية، خصوصاً تلك المرتبطة بظواهر مناخية قصوى، حيث أجبرت الأعاصير القوية والفيضانات المدمرة ملايين الأشخاص على النزوح من المناطق المكتظة بالسكان في آسيا والمحيط الهادي والشرق الأوسط، وإفريقيا جنوب الصحراء.
ويتعرض النازحون خصوصاً إلى التهميش في قضايا الصحة العامة، مما يعرض حياتهم وأطفالهم للخطر، حيث يتركز الاهتمام بسكان المدن الأصلية، عوضاً عن النازحين القادمين من مناطق أخرى ويعيشون على هامش المدينة، وقد برزت هذه الحقيقة المؤلمة بشكل أوضح مع انتشار فيروس كورونا.
ويعترف رئيس المجلس النرويجي للاجئين يان إيجلاند، بأن المنظمات الدولية المعنية، تفشل في حماية الأشخاص الأكثر عرضة للخطر من النزاعات والكوارث. وهو اعتراف يضع عبئاً إضافياً على يقظة الضمير الإنساني، فنحن نعيش في عالم بالغ الخطورة.