الرئيسية / مقالات رأي / لا بديل عن سلام نهائي

لا بديل عن سلام نهائي

بقلم: سالم الكتبي – صحيفة إيلاف

الشرق اليوم- نجحت الدبلوماسية المصرية مجدداً في التوصل إلى اتفاق وقف لإطلاق النار بين إسرائيل وحركة “حماس” في قطاع غزة، لتثبت مصر مجدداً أنها ركيزة الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وأن دورها لا غنى عنها من أجل تسوية الصراعات والأزمات في هذه المنطقة الحيوية من العالم. وبعد نجاح هذه الجهود الدبلوماسية المضنية، التي شاركت فيها الولايات المتحدة، يجب ألا يكتفي العالم بالترحيب والاشادة بالاتفاق بل يجب أن تٌطلق على الفور جهوداً دبلوماسية دولية من أجل بناء سلام حقيقي يحول دون تكرار مثل هذه الأزمات التي رأى العالم أجمع كيف أنها تتحول بسرعة شديدة إلى كارثة تتسبب في سفك الدماء ونشر الذعر والخوف والذعر بين المدنيين سواء في غزة أو في اسرائيل.

الجميع يعلم أن الأحداث الأخيرة ليست الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة بفعل وجود النار تحت الرماد، وبفعل أجواء التسخين والاحتقان التي تتغذى على دعوات تحريض عابرة للجغرافيا دون أن تأبه للضحايا أو تشريد الأسر أو غير ذلك من نتائج، وبالتالي فإن البحث عن سلام نهائي يتعاطى مع الأسباب الحقيقية للصراع، ويضمن استدامة الأمن والاستقرار هو المفتاح الوحيد لطي صفحة هذه الأزمات وضمان عدم تكرارها.

الحقيقة أيضاً أن العوامل الجغرافية والديموجرافية تشير إلى عبثية فكرة الصدام المسلح بين الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني، إذ يبدو من غير المنطقي أن يفكر في اقتلاع الآخر او اقصائه تماماً من معادلة الصراع، وقد اثبتت الأحداث الأخيرة أن ممارسة لعبة “عض الأصبع” غير مسموح بها في هذه البقعة الجغرافية المشحونة بعوامل التوتر، وأن رهان طرف ما على سماع “صرخة الألم” من الطرف الاخر مسألة عبثية لن يكون لها وجود لأنها ببساطة معركة غير تقليدية لا يمكن اخضاعها لحسابات الحرب والصراع التقليدية، وبالتالي فإن الأمر ربما يحتاج إلى مخزون هائل من الحكمة وتغليب لغة العقل من أجل التوصل إلى تسوية نهائية عادلة لهذا الصراع.

وبالتأكيد لكل طرف من الطرفين، الفلسطيني والاسرائيلي، دوافعه الذاتية للبحث عن السلام، والأمر هنا لا يتعلق فقط بتفادي تكرار الأزمات فقط، بل يرتبط كذلك بضرورة الابتعاد عن النفق الذي تريد بعض الأطراف أن تدفع هذا الصراع باتجاهه، فالتركيز الذي رأيناه من البعض بشأن تعريف الصراع لدى الأجيال الجديدة وتحويله من صراع على الأرض إلى صراع ديني يعني إضافة فتيل انفجار جديد للأزمات المعقدة التي تعانيها منطقة الشرق الأوسط.

الحديث عن السلام الدائم ليس مستحيلاً رغم كل الظروف والتعقيدات والعقبات التي تواجه أي تفكير في هذا المسار، ولكن يجب الانتباه إلى البديل ذا كلفة باهظة، وأن البقاء في مربع التوتر القابل للانفجار أمر كارثي تتضاعف تبعاته بمرور الوقت سواء بسبب دخول عناصر وأطراف ومتغيرات جديدة إلى بيئة الصراع بشكل مستمر، أو لأن ضمان التفوق العسكري وتزايد الخلل في موازين القوى العسكرية بين أطرافه لا يعني مطلقاً الأمن والاستقرار بالنسبة لإسرائيل وشعبها، فالبندقية لا تضمن الأمن طالما أنك لم تؤسس لاستقرار وسلام حقيقي، ولاسيما في ظل علمك بأن هناك من يستخدم جارك ويوظفه كي يكون شوكة تقض مضاجع شعبك!

التنظيمات الفلسطينية أيضاً يجب أن تدرك أنه لا حرب دائمة بل هناك سلام دائم، فلا يذكر التاريخ أن شعب ما ظل في حالة حرب طيلة تاريخه، مهما كانت عدالة القضية وأهميتها بالنسبة لهذا الشعب وغيره من الشعوب، فالحرب دائماً هي وسيلة للتفاوض ولكن بشكل آخر ووسيلة مختلفة، وهي أيضاً مدخل للجلوس على مائدة التفاوض، وبالتالي على الفلسطينيين الاسراع بتوحيد الصف والكلمة، واختيار ممثلين شرعيين على مستوى المسؤولية والتحدي التاريخي لصمود شعبهم وتضحياته الكبيرة، كي يجد العالم أن هناك عنواناً واحداً محدداً يمكن من خلالها مخاطبة الشعب الفلسطيني والبدء في البحث عن سلام حقيقي ونهائي لابديل عنه من أجل ضمان حياة آمن لجميع الشعوب في منطقة الشرق الأوسط.

الوقت قد حان لاستخلاص الدروس والعبر من الأيام التي عاد فيها الصراع الفلسطيني الاسرائيلي ليتصدر دوائر الاهتمام العالمي، فالصمت والهدوء ـ كما ذكرت في أحد مقالاتي ـ ليس مرادفاً للسلام بل يبدو في هذه الحالة حالة ترقب بانتظار إشتعال أزمة جديدة.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …