بقلم: جمعة بوكليب – الشرق الأوسط
الشرق اليوم – الأسبوع الماضي كان استثنائياً على مستوى تطور الأحداث دولياً. إذ بينما دول العالم تتابع بتيقظٍ وحذر تطورات الأزمة الوبائية وتداعياتها في الهند، دخلت على الخط أزمة الحرب في قطاع غزة فجأة، واستحوذت على اهتمام وسائل الإعلام.
وفي خضم زخمها وتضارب المواقف حولها، أصدرت الإدارة الأميركية قراراً لافتاً في أهميته ودلالاته، ويتعلق بترقية سفيرها لدى ليبيا السيد ريتشارد نورلاند، إلى رتبة مبعوث خاص لها، مع استمرار عمله سفيراً. وتلا ذلك زيارة رسمية إلى ليبيا قام بها نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا التقى خلالها رئيس المجلس الرئاسي، السيد محمد المنفي، ورئيس الحكومة، السيد عبد الحميد الدبيبة، وعقد اجتماعاً مع وزيرة الخارجية، السيدة نجلاء المنقوش، أعقبه عقد مؤتمر صحافي مع الوزيرة الليبية أعاد فيه المسؤول الأميركي حرص بلاده على ضرورة إجراء الانتخابات النيابية في موعدها المتفق عليه في شهر ديسمبر (كانون الأول) 2021.
التحرك الأميركي الأخير نحو ليبيا، بعد غياب ملحوظ وطويل نسبياً، وفي وقت يفترض أن تتراجع فيه أهمية الوضع في ليبيا، ضمن قائمة أولويات الإدارة الأميركية في المنطقة، يعيد إلى واشنطن بعضاً من مصداقيتها، وقيادتها، ويكشف عن حرصها على المساعدة بجهودها في ضمان عودة استقرار الأوضاع في ليبيا.
وفي خطوة لاحقة أكثر وضوحاً وتصميماً، دعت يوم الجمعة الماضي خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي، على لسان مندوبتها لدى الأمم المتحدة، السيدة ليندا غرينفيلد، لتنفيذ بنود اتفاق وقف النار بشكل كامل، وإيقاف التدخلات الأجنبية في الشأن الليبي، وبضرورة عقد الانتخابات في موعدها المقرر، وهددت بفرض عقوبات على معرقليها. وألحت على القيادات الليبية الإسراع بتوضيح الأساس الدستوري للانتخابات وإقرار التشريعات المطلوبة، قبل الأول من شهر يوليو (تموز) المقبل.
هذا الوضوح في التعامل مع الأزمة الليبية الذي أبدته إدارة الرئيس بايدن، جاء مخالفاً للموقف المرتبك والمربك الذي تبنته إدارة الرئيس السابق ترامب. فهي من جهة اعترفت بحكومة المجلس الرئاسي برئاسة السيد فائز السراج، وفي الوقت نفسه فتحت ممراً للتواصل مع المشير حفتر، ومنحته ضوءاً لإرسال قواته نحو العاصمة طرابلس. تلك الحرب استمرت لأزيد من عام، ولم تتوقف إلا بعد أن تدخلت تركيا، وقلبت الموازين. لكن التهديد بوقوع الحرب ما زال قائماً، وما زال الطرفان المتصارعان يحشدان قواتهما استعداداً لمجابهة محتملة في منطقتي سرت والجفرة. ولم يقم الجانبان بالتخلص من قوات المرتزقة، كما أوصت بذلك لجنة 5+5 العسكرية.
التحرك الأميركي الأخير جاء في وقت مناسب، بعد أن ازدادت خيوط الأزمة الليبية تعقيداً، رغم ما تبذله بعثة الأمم المتحدة من جهود، وذلك نتيجة لما تقوم به النخب الحاكمة المسيطرة على الأوضاع السياسية والعسكرية في البلاد من مناورات، تهدف إلى تأجيل عقد انتخابات غير مرحب بها منهم وبهدف الحفاظ على الأوضاع الراهنة، لأنهم يدركون أن انعقادها، سوف يضع نهاية لوجودهم على خشبة المسرح. وربما لهذا السبب تحديداً، دعت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، لجنة الحوار السياسي الليبي إلى عقد اجتماع عبر الإنترنت يومي 26 – 27 من مايو (أيار) الحالي، للتباحث حول إمكانية إيجاد حلول للأساس الدستوري للانتخابات، وحسم الأمر. ذلك أن فريقاً من النخبة المسيطرة في البلاد يرفضون، لأسباب مصلحية، عقد انتخابات رئاسية مباشرة، ويدعون إلى اختيار الرئيس القادم عبر القنوات البرلمانية، الأمر الذي يواجه بالرفض من قبل أغلبية المواطنين الليبيين.
من هنا تأتي أهمية الخطوة الأميركية الأخيرة، وما أعقبها من تحركات سريعة، لقدرتها على إرسال إشارات سياسية قوية إلى الأطراف الليبية المتصارعة، وما تضعه من مطبات وحواجز أمام ما قد يتاح من فرص لاستعادة السلام والاستقرار، حرصاً على ما حققته، خلال السنوات الماضية، من مكاسب ونفوذ.
استعادة السلام إلى ليبيا، ليس فقط مهماً لاستقرارها فقط، بل لاستقرار كل دول الجوار، خصوصاً دول الساحل الأفريقي المهددة بعصابات التطرف. وهو مهم أيضاً لحلفاء أميركا في أوروبا، خصوصاً فيما يتعلق بإمدادات الطاقة، وبوقف تدفق المهاجرين غير الشرعيين. لكنه أكثر أهمية لأميركا، لأنه، إن جاز القول، بمثابة امتحان لنواياها بإصلاح ما أحدثته الإدارة السابقة من ضرر، ولتفعيل الدبلوماسية الأميركية مجدداً لإعادة الانخراط سياسياً مع حلفاء وجدوا أنفسهم، خلال السنوات الماضية، لا يقفون على ضفة واحدة مع الموقف الأميركي في ليبيا.