بقلم: أسعد عبود – النهار العربي
الشرق اليوم – لم يكن أحد يتوقع أن يخرج وزيرا الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، والروسي سيرغي لافروف، من لقاء الساعة وثلاثة أرباع الساعة في ريكيافيك، باختراق يزيل كل ما تكدس من أزمات على خط العلاقات الأميركية – الروسية في الأعوام الأخيرة. لكن يبقى اللقاء بحد ذاته أفضل من القطيعة السائدة وقد يبنى على “المؤشرات الإيجابية” التي لاحظها الكرملين، للدفع نحو تصحيح هذه العلاقات، وربما التوصل إلى اتفاق على موعد لقمة تجمع الرئيسين الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين في الأشهر المقبلة.
كثيرة هي الملفات العالقة بين واشنطن وموسكو. من الإتهامات الأميركية للكرملين بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية عامي 2016 و2020، إلى الهجمات السيبرانية على منشآت أميركية حساسة، إلى مزاعم عن دفع موسكو مكافآت لحركة “طالبان” الأفغانية من أجل قتل جنود أميركيين، إلى الأزمتين المفتوحتين في أوكرانيا وسوريا.
وفي المقابل، تتهم روسيا الولايات المتحدة بالتدخل في شؤونها الداخلية وفي شؤون جمهوريات سوفياتية سابقة لا تزال على ولائها لموسكو وبتمويل “الثورات الملونة” فيها من أجل قلب أنظمتها وإقامة أنظمة موالية للغرب. كما تتهم موسكو واشنطن بالوقوف وراء حركات المجتمع المدني في الداخل الروسي، ومنها حركة المعارض الروسي أليكسي نافالني، إضافة إلى تحركات متزايدة لحلف شمال الأطلسي على الحدود الروسية، براً وجواً وبحراً، ولا يكاد يمر يوم من دون تسجيل احتكاك بين الجانبين على شكل انتهاكات متكررة للأجواء. هذا فضلاً عن العقوبات الثقيلة التي فرضتها الولايات المتحدة على روسيا منذ ضمها لشبه جزيرة القرم عام 2014، وحتى الدفعة الأخيرة قبل أشهر من قبل إدارة بايدن. وتلقي هذه العقوبات بثقلها على الاقتصاد الروسي، المنهك أصلاً بفعل الوباء وقبله تراجع أسعار النفط.
وترى روسيا أن هناك تهديداً أميركياً متزايداً لمشروع أنابيب الغاز الروسي “نورد ستريم-2” إلى ألمانيا، والذي تعوّل عليه موسكو كثيراً لرفد خزينتها بالعملة الصعبة. وتسعى أميركا بقوة إلى وقف المشروع عبر فرض عقوبات على الشركات المساهمة فيه، وتمارس ضغوطاً قوية على برلين من أجل وقف العمل به.
كل هذه التعقيدات في العلاقات الأميركية – الروسية تترك آثارها في ملفات وقضايا دولية أخرى، وتنعكس توتراً في أكثر من منطقة. وبالكاد تجنبت أوكرانيا قبل أسابيع حرباً جديدة مع الحشود المتقابلة على الحدود الروسية – الأوكرانية، ومع وقوف الولايات المتحدة العلني إلى جانب كييف وإرسالها بارجتين إلى البحر الأسود كـ”رسالة ردع” لموسكو التي حشدت أكثر من مئة ألف جندي بوضعية هجومية على الحدود.
وينعكس التوتر الأميركي – الروسي أيضاً على الأزمة السورية، في ظل الوجود العسكري الأميركي في شمال شرقي سوريا والوجود الروسي في مناطق قريبة، بينما يزيد “قانون قيصر” الأميركي الذي يفرض عقوبات مشددة على النظام السوري، من استفحال الأزمة ويمنع الدفع نحو عملية سياسية تضع إطاراً للحل لأزمة مر عليها 11 عاماً.
وما يجب قوله إن أزمة كهذه، لا يمكن حلّها في ظل الاستقطاب الحاد السائد حالياً بين واشنطن وموسكو. وما يسري على سوريا، يسري أيضاً على أوكرانيا، ويساعد أيضاً في نزع فتيل أزمات أخرى في الشرق الأوسط ولا سيما النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي، الذي عاد إلى الواجهة بعد الحرب الأخيرة على قطاع غزة.
ويبقى التعاون الأميركي – الروسي، مطلوباً في التعامل مع التحديات العالمية الأخرى، من مكافحة الإرهاب إلى تضافر الجهود للتغلب على وباء كورونا وأزمة المناخ.
وفي المحصلة، قضايا كثيرة في انتظار القمة المتوقعة بين جو بايدن وفلاديمير بوتين، لا سيما بعد أن قال كل طرف ما يضمره حيال الآخر، وحان الآن وقت التعاون في قضايا ذات مصلحة مشتركة، على غرار ما حصل مع التجديد لمعاهدة نيوستارت النووية بعد الأيام الأولى من دخول بايدن إلى البيت الأبيض.