بقلم: محمد قواص – سكاي نيوز
الشرق اليوم- لم تحرّك إيران حزبها في لبنان لركوب موجة المواجهة الأخيرة في غزة. اكتفى حزب الله بعراضات “الأهالي” وبإطلاق “مجهولين” لصواريخ ركيكة تسقط في البحر أو داخل الأراضي اللبنانية.
ولم تحرّك إيران حزبها في لبنان لإنهاء الاستعصاء الحكومي. ترك حزب الله لحليفه في رئاسة الجمهورية ممارسة شتى فنون التعطيل، وهو أكثر من يجيدها، لحرمان البلد من حكومة توقف انهياره الكبير.
ما يجري في فيينا يتحكم بأجندات الحاكم في إيران. تحتاج طهران إلى عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، ذلك أن سياسة “الضغوط القصوى” لإدارة الرئيس السابق دونالد ترامب نالت بشكل موجع من العافية الاقتصادية في إيران، بما يجعل من رفع العقوبات هدفاً حيويا وحيداً تسعى إليه إدارة الرئيس حسن روحاني بدعم ورعاية المرشد الإيراني علي خامنئي.
لم تجرؤ إيران هذه المرة على استخدام “ورقة غزة” للضغط على الوفد الأميركي المفاوض في فيينا. أدركت طهران أنها ورقة خاسرة لن تغير شيئا من المداولات، بل على العكس فإنها ستعقّد وتضعف موقف إيران في هذه المفاوضات، ليس فقط أمام الولايات المتحدة، بل حتى أمام دول الاتفاق النووي الأخرى، روسيا والصين وفرنسا وألمانيا وبريطانيا. وعليه اكتفت طهران بـ “جهاد” المكالمة الهاتفية التي أجراها قائد فيلق القدس إسماعيل قآني برئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، وانتشت بالشكر الذي وجهه الأخير لإيران في دعم حركته.
أجواء مفاوضات فيينا الدولية والدقيقة تفرض على إيران وقف العبث في الملف الفلسطيني، ذلك أن الكبار في العالم والمنطقة أظهروا انخراطا مباشراً لا يتيح لطهران هامش رحب للمناورة. بيد أن نفس الأجواء في العاصمة النمساوية لا تضغط على إيران للإفراج عن حكومة لبنان، ذلك أن أمر هذا البلد، رغم جدية ودراماتيكية أزمته، ليس أولوية دولية داهمة تضطر طهران للتعامل معها.
لن تسلم إيران الورقة اللبنانية وفق القواعد والشروط التي اقترحتها المبادرة الفرنسية. لا شيء في فيينا يفرض على طهران تقديم “هدية” لباريس وللرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حتى لو أدى الأمر إلى سقوط لبنان داخل أتون الانهيار الكبير. وعلى هذا فإن الورقة اللبنانية مؤجلة إلى أن يحين موسم القطاف.
وفق ذلك الخبث يلعب حزب الله دورا خلفيا محركاً للعبة السياسية الداخلية. يسرّب على نحو سمج تمسكه بتكليف سعد الحريري تأليف الحكومة العتيدة دون أن يشل أدواته لتعطيل عملية التأليف وفق ما يتسق مع مبادرة باريس ومن ورائها المجتمع الدولي من موسكو إلى واشنطن. وحين يرسل رئيس الجمهورية ميشال عون رسالة إلى مجلس النواب اللبناني مقترحاً سحب وكالة تكليف الحريري بالمهمة، فإن موقف الحزب البرلماني يأتي رماديا محايداً ماسكا العصا من الوسط، بما يوحي أنه متمسك بالبقاء على ستاتيكو جهنمي يراضي به طرفي السجال دون أي اكتراث بمآلات ذلك على لبنان واللبنانيين.
يستخدم رئيس الوزراء اللبناني الأسبق فؤاد السنيورة معادلة كيميائية بسيطة لشرح الأمر. يقول إن حزب الله منع مجلس النواب لأكثر من عامين من انتخاب رئيس للجمهورية حتى أذعن الجميع. فكان أن استولى عون على الرئاسة واستولى الحزب على الجمهورية.
والحال أن المشهد اللبناني يتلهى بسجال محلي هامشي مقارنة بالتحولات الكبرى الجارية في المنطقة والعالم. ويتم أيضاً الافراط إلى حدّ التخمة في تحليل ما بين سطور رسالة عون إلى البرلمان وسطور الرد “الناري” للحريري على “فخامة الرئيس”. وفيما يتعرّق الطبالون على إيقاع قرقعة الزواريب البيتية، يتأمل حزب الله المشهد الذي صنعه، متستراً بالصمت أو قلة الكلام بانتظار جلاء المشهد في فيينا وصدور الضوء الأخضر من طهران.
ينسحب الأمر على حالة الهدوء المصطنع الذي يظهره حزب الله حيال الموقف من السعودية ودول الخليج. ولئن يبدو الهدوء في خطاب الحزب مطلوبا من إيران لتجنب التشويش على المحادثات “الاستكشافية” (وفق تعبير وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان) بين الرياض وطهران، فإن الحزب الذي لا شك سرَّه أداء وزير الخارجية اللبناني (المستقيل) شربل وهبي في التهجم على السعودية وكل الخليجيين (وهذا اختصاص كان حكرا على الحزب وزعيمه)، يستنتج بحبور تبرع المقربين من عون وصهره جبران باسيل في المضي بممارسة ما لا يستطيع الحزب ممارسته هذه الأيام بسبب متطلبات إيرانية، سواء في تعطيل ولادة حكومة لبنان أو في مواصلة حملات الهجاء ضد السعودية ودول الخليج من بيروت.
خلاصة الكلام أن ساسة لبنان ليسوا سذجا ويدركون أن مصير الحكومة المنتظرة يتقرر في العواصم البعيدة وأن حزب الله يمسك بمفاتيح أساسية لحل المشكلة وربطها. وعلى أساس هذا الإدراك يستمتعون بألعاب السجال والردح والتباري لتقطيع وقت داخلي، ذلك أن توقيت الخلاص تقررها عقارب ساعة خارجية تصنعها مطابخ بعيدة عن بيروت وبرلمانها ورئاساتها.