الرئيسية / مقالات رأي / إسبانيا في الماضي والمغرب في المستقبل

إسبانيا في الماضي والمغرب في المستقبل

بقلم: خيرالله خيرالله – العرب اللندنية

الشرق اليوم- ليس استقبال إسبانيا زعيم “البوليساريو” إبراهيم غالي وإدخاله أحد مستشفياتها بهوية مزوّرة سوى تعبير عن خفة في التعاطي السياسي مع موضوع في غاية الأهمية هو العلاقة بين مدريد والرباط. استقبلت إسبانيا شخصا مطلوبا من العدالة فيها، لا لشيء سوى لإظهار تضايقها من المغرب الذي لم يتوقّف في السنوات الأخيرة عن تحقيق تقدّم على كل المستويات، خصوصا على صعيد تأكيد مغربيّة الصحراء.

لم تستطع إسبانيا، المتمسكة بملفات الماضي الاستعماري وذكرياته، استيعاب أن العلاقة الطبيعية، أي العلاقة الخالية من العقد، مفيدة للبلدين، خصوصا أن المغرب ينظر إلى المستقبل وإلى جسر، تحت المياه أو فوقها يربط بين البلدين اللذين لا تفصل بينهما بحرا سوى كيلومترات قليلة. مثل هذا الجسر، يجعل من إسبانيا إحدى بوابات المغرب إلى أوروبا ويجعل من المغرب بوابة إسبانيا إلى أفريقيا، خصوصا في ظلّ الاختراقات التي لا تخفى على أحد والتي حققتها المملكة المغربيّة في السنوات الأخيرة في ظلّ قيادة الملك محمّد السادس في مختلف أنحاء القارة السمراء.

يظل السؤال لماذا ذهبت الحكومة الإسبانية إلى هذا الحد في تحدّي المغرب؟ يعود الجواب بكل بساطة إلى أن إسبانيا لم تستطع التخلي عن عقلية الهيمنة من جهة ولم تقتنع بأنّ عليها إقامة علاقة متوازنة مع جار مهم مثل المغرب من جهة أخرى. ليس معروفا بعد ما هي مشكلة إسبانيا مع المملكة المغربيّة، لكنّ اللافت أنّها متضايقة من أن المغرب استطاع تحقيق إنجازات على صعد مختلفة في السنوات الـ22 الماضية. توجت هذه الإنجازات باعتراف أميركا بمغربية الصحراء التي كانت في الماضي مستعمرة إسبانية. هل الحنين إلى الماضي الاستعماري وراء التصرفات غير المنطقية لإسبانيا في تعاطيها مع المغرب؟

واضح أن إسبانيا، عبر استقبال زعيم جبهة “البوليساريو”، التي ليست سوى أداة جزائرية، انضمت إلى جوقة المبتزين للمملكة المغربية التي أثبتت دائما أنها دولة مسالمة تسعى إلى استرداد حقوقها الطبيعية بعيدا عن أي نوع من العنف. يظل أفضل دليل على ذلك “المسيرة الخضراء” التي أعادت الصحراء إلى المغرب بالوسائل السلمية.

زحف 350 ألف مغربي في تشرين الثاني – نوفمبر من العام 1975 في اتجاه الصحراء بغية استعادة تلك الأرض التي بقيت طويلا مستعمرة إسبانية. لم يطلق المغرب رصاصة واحدة من أجل استعادة أرضه. جاءت “المسيرة الخضراء” التي دفع في اتجاهها الملك الحسن الثاني، رحمه الله، في وقت كانت إسبانيا تتطلّع إلى المستقبل.

في العشرين من تشرين الثاني – نوفمبر 1975، توفّى الجنرال فرانكو الذي حكم إسبانيا وأقام نظاما دكتاتوريا ابتداء من العام 1938. جاءت “المسيرة الخضراء” في وقت كانت إسبانيا تتطلّع إلى المستقبل وإلى الانفتاح على محيطها وعلى العالم. كان الانسحاب من الصحراء المغربيّة وإعادتها إلى أصحابها بالتفاهم مع موريتانيا أيضا، جزءا من هذا الانفتاح الذي عبّرت عنه استعادة الملك خوان كارلوس للعرش وبدء مرحلة جديدة من تاريخ إسبانيا في ظلّ نظام ديمقراطي حقيقي مهّد عمليا لدخولها الاتحاد الأوروبي ولعب دور نشط وفاعل أوروبيا ودوليا.

ليس طبيعيا استفزاز المغرب الذي راعى إسبانيا إلى أبعد حدود وحافظ على أمر واقع كان مفترضا أن يتمرّد عليه بسبب وجود جيبين إسبانيين في أرضه (سبتة ومليلية). تفهّم المغرب دائما الوضع الإسباني ووجود جبل طارق، الذي هو أرض إسبانية تحت السيادة البريطانية.

سعى المغرب إلى تفادي أيّ مشاكل مع إسبانيا التي لم تردّد في الماضي في استفزازه بكلّ الوسائل المتاحة، بما في ذلك إثارة موضوع جزيرة ليلى المغربيّة، في أثناء تولي اليميني خوسيه ماريا أثنار رئاسة الحكومة بين 1996 و2004. لم ينفعل المغرب. على العكس من ذلك، ترك إسبانيا تهدأ. هدأت إسبانيا بالفعل بعدما خلف الاشتراكي خوسيه لويس ثاباتيرو في العام 2004 الاشتراكي خوسيه ماريا أثنار الذي لم يتردّد في إحدى المرات بالطلب من المسلمين الاعتذار بسبب احتلالهم إسبانيا. وكان يشير بذلك إلى مرحلة الوجود العربي في الأندلس!

لا شيء يمنع المغرب من الرد على أي استفزاز يتعرّض له، خصوصا أنّه يمتلك وسائل الردّ. فالصبر المغربي لا يعني ضعفا، بل يعني حكمة قبل أي شيء آخر، حكمة تحلى بها الملك محمد السادس منذ صعوده إلى العرش صيف العام 1999. أظهرت تجارب الماضي أن الحكمة من أركان السياسة المغربيّة التي سمحت باستعادة الصحراء سلما في ظلّ إجماع شعبي على تحويل هذه القضيّة المرتبطة بتوحيد التراب الوطني إلى قضيّة وطنيّة.

لا شكّ أن الأزمة المغربية – الإسبانية أزمة عميقة. ليست استضافة إسبانيا لإبراهيم غالي سوى رأس جبل الجليد في هذه الأزمة التي في أساسها وجود قوى في الداخل الإسباني تسعى للانتماء إلى الماضي. فهناك حنين لدى هذه القوى إلى أيّام الاستعمار. لا تدري هذه القوى أن المرحلة التي كانت فيها إسبانيا دولة استعماريّة ولّت إلى غير رجعة.

من هذا المنطلق، ليس عيبا أن تدعم إسبانيا المغرب وأن تستفيد من تجربته في الانفتاح على أفريقيا بدل خلق مشاكل لا أفق لها تصبّ في استرضاء نظام حاقد هو النظام الجزائري الذي افتعل قضيّة غير موجودة هي قضيّة الصحراء من منطلق أنّه لا يفكر إلاّ في كيفية إيذاء المغرب وابتزازه.

من المستغرب تصرّف دولة محترمة مثل إسبانيا بالطريقة التي تتصرّف بها تجاه المغرب. لا وجود لتفسير منطقي للسلوك الإسباني تجاه المغرب سوى البحث عن كلّ ما يمكن أن يسيء إليه. في الواقع، تسيء إسبانيا إلى نفسها. قد يكون التفسير الوحيد للسلوك الإسباني، ذلك الماضي الاستعماري لهذا البلد الذي لا يريد إدراك أن المغرب بلد مسالم يتطلّع إلى المستقبل ولا يسعى سوى إلى استعادة وحدته الترابية سلما.

هل تدرك إسبانيا أن لغة الحوار مع المغرب، بدل اللجوء إلى التحدي والاستفزاز، كفيلة بحلّ أي مشاكل قائمة، هذا إذا كانت في الأصل مشاكل مصدرها المغرب.

شاهد أيضاً

أمريكا والمسكوت عنه!

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– الدولة تتكون من شعب وسلطة وإقليم؛ ويكون الشعب فى أعلى …