بقلم: مصطفى فحص – الشرق الأوسط
الشرق اليوم- تتجه الأنظار نحو أروقة «مجلس صيانة الدستور» الإيراني، الذي تعود إليه صلاحيات تحديد الأسماء المؤهلة للاستمرار في السباق الرئاسي، حيث سيرسم أعضاؤه «الاثنا عشر» الملامح الأولى لصورة الرئيس الإيراني العتيد، وسيترك للناخبين ممارسة حق الاقتراع شبه الشكلي بعد أن يكون «المجلس» قد حسم خياراته وجعل المنافسة بين متشابهين، يختلفون في الشكل ويجتمعون في المضمون.
يذكر أن «المجلس» المكون من 12 عضواً؛ يتألف من 6 من رجال الدين يختارهم المرشد، و6 من الحقوقيين يختارهم مجلس الشورى بتوصية من رئيس السلطة القضائية الذي يعينه المرشد أيضاً.
سيف المعايير الذي سيشهره «المجلس» في وجه 592 مرشحاً على الأرجح، سيخفض عددهم إلى عدد أصابع اليد، كما فعل في انتخابات 2017 الرئاسية عندما قلص عدد المرشحين من 1630 إلى 6. وهذا ما بدأ مباشرة بعد إغلاق باب الترشح، حيث أعلن المتحدث باسم «المجلس»، عباس علي كدخدائي، يوم الأحد الماضي، أنه «قد تتم الموافقة على 40 مرشحاً للانتخابات الرئاسية في حد أقصى بسبب عدم اكتمال كل شروط وأوراق ومتطلبات الترشح»، وهذا يعني أن الطريق إلى صناديق الاقتراع ستكون واضحة المعالم وستنحصر بين مراكز القوة داخل المعسكر الواحد مع إبقاء بعض الأسماء حفاظاً على مظاهر التعددية.
من المرجح أن يقوم «مجلس صيانة الدستور» بمنع أسماء كبيرة لها ثقلها في الحياة السياسية الإيرانية من الاستمرار في الترشح، وهذا ما يثير قلق معسكر الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد الذي يغرد الآن خارج سرب المحافظين، وأصبح يشكل تياراً شعبوياً يجمع بين القومية والعقائدية؛ الأمر الذي دفع اسفنديار رحيم مشائي مستشار أحمدي نجاد إلى القيام بهجوم استباقي تخوفاً من قرار سلبي من «المجلس» ضد أحمدي نجاد، وكتب بتغريدة في حسابه على «تويتر»: «أن يرفضوا أهلية رئيس تم انتخابه مرتين بأعلى الأصوات من الشعب من دون أن يقدموا أي أسباب، فإن هذا يعدّ إهانة لفهم الشعب وعدم احترام قوته في التشخيص والتمييز بين الصحيح والخطأ! وهذا يتعارض مع روح الثورة وروح الجمهورية وروح الإسلام بشكل سافر».
مما لا شك فيه أن المهمة الأساسية لـ«المجلس» في هذه الانتخابات هي حسمها مبكراً، لذلك فسيكون من خلاله أو على عاتقه تحجيم المنافسة بين المرشحين الآتين من خلفية عسكرية وبين المدنيين (رئيسي ولاريجاني وجهانغيري)؛ إذ إن قرارات استبعاد المرشحين أو إبقائهم ستكشف عن رؤية مؤسسة النظام التي تُسيّر عمل «المجلس الدستوري» لمستقبل السلطة التنفيذية وطبيعتها.
حتى الآن لم تحسم الدولة المسيّرة للنظام، وهي الدائرة الضيقة في «بيت المرشد» أو «مؤسسة ولاية الفقيه»، التوجهات المستقبلية وخياراتها في السلطة، فحتى الآن لم تلتقط أي إشارة منها في تفضيل مرشح على آخر، ورغم صعود نجم «الحرس» والحديث المبكر عن عسكرة الاستحقاق الرئاسي، فإلى الآن لم يتضح موقف المرشد من هذا الاستحقاق، ويزداد الغموض مع ترشح إبراهيم رئيسي؛ الشخصية الأقرب إلى «مؤسسة ولاية الفقيه»، واحتمالات أن يكون المنافس الأقوى تزداد، مع الانتباه إلى أن ترشح رئيس مجلس الشورى السابق علي لاريجاني يفتح التكهنات بأن خيار «المحافظ المعتدل» لا يزال قائماً، وقد يكون أكثر انسجاماً مع تحولات المنطقة، فيما يبقى اسم نائب الرئيس الحالي جهانغيري كطعم للتيارين المعتدل والإصلاحي من أجل الدخول في الانتخابات ورفع نسبة المشاركة.
الأبرز في هذه الانتخابات تعدد الأقطاب أو التيارات، لذلك تعود صلاحية «المجلس الدستوري» إلى جعلها ثنائية، كما جرت العادة سابقاً أن تكون ثنائية بين محافظ وإصلاحي، لكن هناك فرصة جدية لأن تكون ثلاثية ورباعية؛ أي بين محافظ وإصلاحي ومعتدل، أو بين محافظ ومعتدل وإصلاحي وعسكري.
وعليه؛ يحبس المرشحون والناخبون أنفاسهم، بانتظار صدور الفرمانات الانتخابية التي من خلالها ستختصر الطريق إلى معرفة طبيعة السلطة المقبلة في إيران وعلاقتها في الداخل والخارج، والمرتبطة بتحولات كبرى تجعل مهمة «مجلس صيانة الدستور» أكثر تعقيداً.