الرئيسية / مقالات رأي / بايدن المُحبط يُطالب نتنياهو بوقف القتال ‏

بايدن المُحبط يُطالب نتنياهو بوقف القتال ‏

بقلم: هشام ملحم – النهار العربي

الشرق اليوم- للمرة الأولى منذ بدء المواجهة العسكرية بين إسرائيل وحركة “حماس”، وبعد ‏سقوط 227 قتيلاً في غزة من بينهم 64 طفلاً، وتدمير قسم هام من البنية ‏التحتية في القطاع، بما في ذلك المرافق الصحية والطرقات وشبكات المياه ‏والكهرباء والأبنية، وبعد قتل 12 إسرائيلياً من بينهم طفلان، طالب الرئيس ‏جوزف بايدن بتقليص كبير في حجم الهجمات العسكرية، وقال انه يتوقع ‏حدوث “اليوم” (الأربعاء) كخطوة أولى لتحقيق وقف لإطلاق النار. جاء ذلك ‏خلال الاتصال الهاتفي الرابع الذي أجراه بايدن صباح أمس برئيس وزراء ‏اسرائيل بنيامين نتنياهو. وكان بايدن قد عبّر يوم الثلثاء خلال اتصاله ‏بنتنياهو عن رغبته بوقف اطلاق النار، وذلك في أول اشارة منه الى وقف ‏لإطلاق النار. اللهجة القوية نسبياً التي استخدمها بايدن في الاتصال الأخير ‏مع نتنياهو، والتي عكسها بيان البيت الأبيض للمرة الأولى، جاءت في أعقاب ازدياد الانتقادات الدولية لإسرائيل، والأهم من ذلك في أعقاب ازدياد ‏وتيرة الانتقادات الموجهة لإسرائيل وهجماتها العسكرية وضحاياها المدنيين ‏من قبل المشرعّين الديموقراطيين في مجلسي الكونغرس، والتي شملت ‏مطالبة بايدن بالإصرار على الوقف الفوري لإطلاق النار.‏

وللتدليل على أن التوصل الى وقف سريع لإطلاق النار اصبح مطلباً ‏أميركياً، طلب بايدن من وزيري الخارجية والدفاع أنطوني بلينكن، ولويد ‏أوستن الاتصال بنظيريهما الاسرائيليين لإيصال مضمون الرسالة ذاتها.‏

وجاء في بيان للبيت الأبيض أن بايدن قال لنتنياهو انه “يتوقع تقليصاً جذرياً ‏للقتال اليوم، على الطريق لوقف إطلاق النار”، لإعطاء الدول الإقليمية التي ‏تواصل مباحثاتها مع حركة “حماس” والى حد أقل مع اسرائيل ومن بينها ‏مصر والأردن وقطر للتعجيل بوقف إطلاق النار. وخلال الأيام العشرة ‏الماضية أجرى كبار المسؤولين الأميركيين عشرات الاتصالات مع مسؤولين ‏إسرائيليين وفلسطينيين وعرب وأوروبيين لتعبئتهم في الجهود الرامية لإنهاء ‏المواجهة. ‏

وعلى الرغم من ان نبرة ومضمون بيان البيت الأبيض أمس كانت أقوى من ‏نبرة الرئيس بايدن في الاتصالات السابقة بنتنياهو، إلا أن الناطقة باسم البيت ‏الأبيض كارين جون بيار، قالت ان الاتصال الاخير “لا يعكس تحولا”  في ‏الموقف الاميركي، وشددت على ان الرئيس بايدن يعمل من أجل هذا الهدف ‏منذ بداية المواجهة العسكرية. ولكن مواقف وتصريحات بايدن وغيره من ‏كبار المسؤولين خلال الاسبوع الأول ركزت على “حق إسرائيل بالدفاع عن ‏نفسها” وتضمنت الإدانات القوية لصواريخ “حماس” التي تطلق ضد المدن ‏الإسرائيلية، ولكن من دون أي إشارة الى الهجمات الإسرائيلية التي أدت الى ‏أضرار مادية ضخمة وخسائر بشرية تفوق بعشرين في المئة الخسائر التي تسببت ‏بها “حماس”.‏

وكانت مصادر مقربة من البيت الأبيض قد قالت إن لهجة الرئيس بايدن في ‏الاتصالات المباشرة مع نتنياهو كانت أقسى مما أوحت به بيانات البيت ‏الأبيض، وأضافت أن بايدن أوضح أن بلاده لا تستطيع توفير الغطاء ‏الديبلوماسي لإسرائيل في مجلس الأمن الدولي لوقت أطول، بخاصة أن ‏فرنسا تبذل جهوداً حثيثة لهذا الهدف في الأمم المتحدة. المصادر قالت إن ‏بايدن يشعر بإحباط واستياء متزايدين من تصلب نتنياهو.‏

وقبل يومين طالب 28 عضواً ديموقراطياً في مجلس الشيوخ الرئيس بايدن ‏بتكثيف جهوده لتحقيق “وقف فوري لإطلاق النار، لمنع حدوث خسائر ‏بشرية إضافية، ومنع حدوث تصعيد أكثر للنزاع”، كان من بينهم مشرعون ‏معروفون بدعمهم التلقائي لإسرائيل. كما بعث 12 عضواً يهودياً في مجلس ‏النواب برسالة الى بايدن انتقوا فيها حركة “حماس” وإسرائيل معاً، ولكن لوحظ ‏انهم وجهوا انتقادات غير معهودة لاسرائيل بسبب الخسائر البشرية التي ‏تسببت بها في غزة وانتقدوا أساليب الشرطة الإسرائيلية في التعامل مع ‏الفلسطينيين في القدس، وبتجميد قرارات إخلاء عائلات فلسطينية من منازلهم ‏في حي الشيخ جراح، في القدس.‏

ويوم أمس وزع نواب ديموقراطيون في ما بينهم رسالة صيغت قبل مكالمة ‏بايدن الرابعة مع نتنياهو، ووقع عليها العشرات، طالبوا بايدن فيها بالعمل ‏على تحقيق وقف فوري لإطلاق النار، “لأن البديل هو بروز كارثة إنسانية ‏لها أبعاد لا يمكن تخيلها”. وأضافوا أن “المسائل الخلافية القديمة في النزاع ‏الاسرائيلي – الفلسطيني، والتي تم تأجيل حسمها لوقت طويل، تستحق أيضاً ‏الاهتمام، وإن كان وقف إطلاق النار يأتي أولاً”. وأنهى النواب ‏الديموقراطيون رسالتهم بالقول: “نحث ادارتكم بقوة، على أن تقوم وعلى ‏أعلى المستويات بدور قيادي شجاع، وأن تتخذ اجراءات حاسمة لوقف ‏العنف”.‏

الجهود الديبلوماسية الأميركية وتلك التي تقوم بها دول عربية وأوروبية في ‏المنطقة وفي الأمم المتحدة، تتركز على وقف إطلاق النار، يشمل آليات تنفيذه ‏لفترة طويلة يتم خلالها معالجة التحديات الآنية من صحية وإنسانية في غزة، ‏وهذا يشمل قيام مصر بتسهيل دخول الإمدادات والمواد الصحية والغذائية ‏للقطاع، وقيام قطر بتمويل إعادة إعمار البنية التحتية المدمرة في القطاع ‏بخاصة أن القصف الاسرائيلي قد حرم عشرات الآلاف من سكان غزة من ‏المأوى. ‏

ومن المتوقع أن يتخذ الرئيس بايدن بعض القرارات والإجراءات التي تمنع ‏تجدد القتال في المستقبل المنظور، ولكن لا توجد هناك أي مؤشرات بأن ‏واشنطن تعتزم اتخاذ أي مبادرة لإحياء “عملية السلام” بين إسرائيل ‏والفلسطينيين. وفي هذا السياق من المتوقع بعد وقف إطلاق النار أن يعين ‏الرئيس بايدن سفيراً جديداً في إسرائيل، بعد شغور المنصب لحوالي 5 ‏اشهر. ويمكن أن يتبع ذلك اعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس، (بعد إغلاقها خلال ولاية الرئيس السابق ترامب) لاستئناف الاتصالات مع ‏الفلسطينيين.‏

وفي حال استمرت ضغوط الديموقراطيين في الكونغرس لتشمل تعيين ‏مبعوث أميركي خاص لمواصلة الاتصالات وتنسيق المواقف مع اللجنة ‏الرباعية الدولية المعنية بالنزاع، يمكن لبايدن أن يعين مثل هذا المبعوث (كما ‏فعل حين عين مبعوثين لإيران واليمن والقرن الأفريقي وليبيا) ولكن لمعالجة ‏الأزمة وليس لإيجاد حلول سياسية بعيدة المدى، حيث هناك قناعة في أوساط ‏إدارة بايدن بأن شروط أي حلول سياسية غير متوافرة في أوساط الأطراف ‏المعنية مباشرة بالنزاع. ‏

ومن المتوقع أن يواصل الديموقراطيون في الكونغرس الضغط على إدارة ‏بايدن للتدخل لإلغاء قرار إجلاء العائلات الفلسطينية من القدس، ومطالبة ‏إسرائيل بوقف هدم منازل الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.‏

ويتبيّن من سلوك الرئيس بايدن خلال هذه الجولة من القتال بين إسرائيل ‏و”حماس”، مثل تأخره بالاتصال بنتنياهو، وبطئه بالمطالبة الفورية بوقف ‏لإطلاق النار، وعدم إيفاده لمسؤول بارز في الإدارة، مثل وزير الخارجية ‏بلينكن، او حتى نائب الرئيس كامالا هاريس، انه لاعب متردد، وغير ‏مستعجل للتورط في “عملية السلام” كما فعل بعض أسلافه، ومن بينهم ‏الرئيس الأسبق أوباما الذي كان بايدن نائباً له، والذي شهد بشكل مباشر ‏كيف قامت الأطراف المعنية بالنزاع، وبخاصة حكومة نتنياهو بإحباط ‏سياسات أوباما لحل النزاع الفلسطيني – الإسرائيلي (بما في ذلك الإعلان عن ‏بناء مستوطنات جديدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بالتزامن مع وصول ‏نائب الرئيس بايدن الى اسرائيل) والطريقة النافرة التي تحدى فيها نتنياهو ‏الرئيس اوباما خلال مفاوضاته النووية مع إيران، بما في ذلك استخدام ‏منبر الكونغرس الأميركي – بدعوة من الجمهوريين الذين كانوا يسيطرون ‏على مجلسي الكونغرس لإلقاء خطاب ضد الاتفاق النووي مع إيران – بايدن ‏الرئيس، واجه معارضة مماثلة من نتنياهو لمحاولاته إحياء المفاوضات مع ‏ايران.

ولكل هذه الأسباب الأميركية، وبسبب الإجراءات الأحادية الجانب ‏التي اتخذها الرئيس السابق دونالد ترامب مثل نقل السفارة الى القدس، ‏ومباركة الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، ولغياب قيادات ‏إسرائيلية وفلسطينية تحظى بالصدقية، وتكون راغبة وقادرة على اتخاذ ‏القرارات الصعبة لإيجاد الحل السياسي الذي أخفقت الحكومات الأميركية ‏السابقة في تحقيقه، ليس من المتوقع أن يجازف الرئيس بايدن، بالسير على ‏طريق يدرك مسبقاً أنه محفوف بالألغام ذاتها التي قضت على طموحات ‏اسلافه. ‏

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …