بقلم: أحمد الحوسني – صحيفة “الاتحاد”
الشرق اليوم – بعض الدول عندما يصعب عليها حل الخلافات الداخلية بين الفرقاء المحليين المتنازعين تلجأ إلى طلب التدخل من مجلس الأمن الدولي، وما أن يصدر المجلس قرارَه حتى يمسك بناصية القضية لتصبح رهينةً لدى الأعضاء الخمسة الدائمين في المجلس ولحسابات مصالحهم المتضاربة!
وتتمتع ليبيا بأهمية استثنائية، كونها تملك شاطئاً على الأبيض المتوسط هو الأطول في أفريقيا (1770 كم)، وتحتوي أرضُها على ثروات طبيعية ضخمة، لاسيما في مجال الطاقة والبترول.. يصحب ذلك شغف كبير لدى الشعب الليبي بأن يسود بلادَه الأمنُ والوئام والسلام وأن تتحرك عجلة الاقتصاد فيها لتعويض أربعة عقود مظلمة من الحكم الديكتاتوري.
ومع تغير الوضع الجيوسياسي على الضفة الجنوبية للأبيض المتوسط، وبروز تحديات جديدة في سياق تشكل النظام الدولي.. تتجه أنظار العالم اليوم إلى ليبيا لمتابعة تطوراتها، خصوصاً من قبل الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي المجاورة وكل من روسيا ومصر وتركيا. وفي هذا الخصوص ذكرت «واشنطن بوست» أن تركيا «الرابح الأكبر من التسوية الليبية»، وذلك لوجود قوات تركية ومليشيات ليبية وسورية موالية لأنقرة. كما ترى الصحيفة أن أميركا «يمكنها المساعدة في تعزيز النظام الجديد» بهدف تقليص النفوذ الروسي هناك.
ويتواجد الآن على الساحة الليبية لاعبون كثر، منهم دوليون وإقليميون.. لكل منهم وكلاؤه المسلحون. أما القوى المحلية المسلحة فمتوزعة مناطقياً، وبعضها مرتبط بدول إقليمية وعالمية.. وهو ما قد يؤخر الوصول إلى حل سلمي ودائم للأزمة الليبية، بل قد يساهم في تعقيدها. ووفق هذا النسق، يتبدّى لنا حاجز بشري معيق يتمثل خطره في القوات الأجنبية والمليشيات المسلحة والمرتزقة الأجانب. وهنا نذكر الحصار الذي نفّذته عشرات السيارات المسلحة التابعة للمليشيات لمقر المجلس الرئاسي الجديد في طرابلس، احتجاجاً على تعيين رئيس جديد لجهاز المخابرات.
لقد حدثت تطورات نحو حل سياسي يرسمه الليبيون أنفسهم بإشراف المجتمع الدولي، وتم حتى الآن تنفيذ كثير من الإجراءات المشجعة. ولأول مرة منذ عدة سنوات هناك اليوم سلطة تشريعية وتنفيذية ومصرف مركزي واحد، رغم أن الطريق ما زال طويلا بسبب وجود تحديات كبيرة فيما يتعلق بإعادة توحيد المؤسسة العسكرية، وبنزع سلاح المليشيات، وباستيعاب آلاف المسلحين ضمن «قوات عسكرية ليبية موحدة تحت سلطة مدنية مركزية».
وتبدو المشكلة أكبر تعقيداً في الغرب الليبي، خاصة طرابلس، نتيجة وجود الكثير من المليشيات، مع أن عدداً من القادة هناك أبدوا استعدادهم لتسليم السلاح ولتحديد المليشيات التي لا تقبل وضع أسلحتها حتى يتم اتخاذ موقف حازم منها بدعم من المجتمعين الوطني والدولي.
ومما يبعث الأمل توافر روح عقلانية لدى القيادة الليبية الجديدة، وإصرارها على تجنب نبش أخطاء الماضي والابتعاد عن إحياء أسباب الخلاف.. وذلك لأنها تتطلع للمستقبل. وهي قاعدة ذهبية كان ينصح بها الزعيم الأفريقي نيلسون مانديلا. كما يعمل المجلس الرئاسي على تحقيق المصالحة من خلال اجتماعاته مع رؤساء القبائل الليبية في الأقاليم.
لكن في سياق مقابل، دعا مفتي «الإخوان» المليشيات للخروج في مظاهرات من أجل تقديم الشكر لتركيا ودعم بقاء قواتها في ليبيا. والخشية من هؤلاء أنهم يهدفون إلى تسيير عملية التسوية على النحو الذي يتسق مع مصالحهم، وإلا فهم مستعدون للانقلاب عليها. لذا قامت حملة «إخوانية» شرسة تستهدف وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش لمطالبتها بإخراج القوات الأجنبية، مع أنه مطلب أممي وشعبي في ليبيا. وقد جددت وزيرة الخارجية الليبية، دعوتَها لخروج القوات الأجنبية والمرتزقة من جميع أنحاء ليبيا، داعيةً إلى التعاون مع بلادها من خلال خطة زمنية تضعها لجنة «5+5» العسكرية بإشراف أممي، وشددت على أن ليبيا تعمل وفق قرارها السيادي وتجهِّز لانتخابات حرة ونزيهة خالية من ضغط السلاح، في 24 ديسمبر المقبل.
ويمكن القول إن التقارب التركي المصري والخليجي سينعكس إيجاباً على مسار التسوية الليبية، وهو ما يهم بالخصوص مصر، الجارة اللصيقة والمعنية جداً بحدودها الطويلة مع ليبيا.