بقلم: منصور الحاج – الحرة
الشرق اليوم– في ظل حالة الانقسام التي يعيشها التشاديون منذ إعلان مقتل الرئيس إدريس ديبي في العشرين من شهر أبريل الماضي، بين من ينادون بالحوار سبيلا وحيدا لحقن الدماء وحماية البلاد من الانهيار في حروب أهلية وقبلية وبين من يقرعون طبول الحرب ويراهنون على القوة العسكرية سواء في التمسك بالسلطة أو انتزاعها، يبدو أن البلاد تسارع الخطى نحو الانهيار.
وإن كان من الجائز توجيه أصابع اللوم إلى الولايات المتحدة وفرنسا بسبب تجاهلهما لكل نذر الانهيار المتوقعة بسبب دعمهما اللامحدود للرئيس الراحل إدريس ديبي من أجل الإبقاء عليه كحليف استراتيجي في حربهما على الجماعات الجهادية وغضهما النظر عن سياساته القمعية واستفراده وعشيرته بالسلطة والثروة والسلاح في البلاد، إلا أن ديبي هو المسؤول الأول والأخير عن هذا الانهيار المرتقب بسبب تغليبه مصالحه الشخصية على مصالح الوطن والمواطنين.
لقد أهدر ديبي الأب فرصة تأسيس نظام ديمقراطي حقيقي في البلاد يرفع به مكانته لدى الشعب ويخلد ذكراه في كتب التاريخ كمؤسس للدولة التشادية الحديثة وصاحب الفضل في تحويلها من دولة فاشلة تمزقها الحروب إلى دولة حقوق وحريات ومؤسسات. كما أضاع أبنائه اليوم فرصة فتح صفحة جديدة مع الشعب وفضلو فيما يبدو مواصلة المشوار في نفس الطريق الذي سار عليه ديبي والمراهنة على القوى الدولية بدلا من الاستماع لصوت الشعب وتحقيق مطالبه.
إن اختيار محمد ديبي لقيادة البلاد في هذه الظروف قرار سياسي خاطئ لأنه يعني اكتمال مخطط التوريث ويكشف رغبة آل اتنو في التمسك بالسلطة والدفاع عنها مهما كان الثمن ولو أدى ذلك إلى إنهيار الدولة وتمزقها في حرب أهلية طاحنة قد تفتح المجال للجماعات الإرهابية بالتمدد في تشاد وقد تمهد أيضا لانفصال جنوب البلاد.
كما يعزز إعلان محمد إدريس ديبي نفسه حاكما للبلاد حجج المعارضة المسلحة ومبرراتها باللجوء إلى السلاح لتحرير الشعب والبلاد من قبضة ديبي وعائلته الذين يعتمدون على القوة العسكرية في بقائهم في الحكم ويسدون كل آفاق التغيير السلمي من الداخل.
وأمام هذا المشهد المتأزم ليس في الإمكان سوى توقع الأسوأ وتمني ما أهو أحسن وهو أن يتدارك المجلس العسكري الموقف ويستجيب لمطالب الشعب بالاحتكام إلى الدستور وتسليم السلطة لحكومة مدنية تتركز أولوياتها في تنظيم حوار وطني يضم كافة مكونات المجتمع بما في ذلك الحركات المسلحة لمناقشة كل القضايا التي تعطل عجلة التطور في البلاد والعمل على إصلاح ما أفسده ديبي خلال عقود حكمه.
إن من أكبر الأخطاء التي ارتكبها ديبي خلال عقود حكمه أن كرّس السلطة والثروة والسلاح بيد عشيرته وأقربائه حتى أصبحوا مصدر سخط أبناء المجتمع من القبائل الأخرى الذين يرون فيهم تجسيدا للظلم والفساد والمحاباة وتغليب الانتماء القبلي والعشائري على حساب المصلحة العامة. ومن هذا المنطلق يمكن القول بأن سياسات ديبي قد أضرت كثيرا حتى بأهله وعشيرته الذين باتوا يشعرون اليوم بأن خيارهم الوحيد هو التمسك بالحكم حتى الرمق الأخير خشية من يؤدي تنازلهم عن السلطة والسلاح إلى عمليات إنتقامية بحقهم جراء ما اقترفوه خلال عقود حكمهم.
لقد فشلت كل تجارب استفراد أبناء قبيلة أو منطقة معينة بالحكم في تشاد وبالتالي فإن من مصلحة الجميع وضع حد لهذه النظرة الضيقة وتغليب المصلحة العامة على المصالح الخاصة وذلك بتبني النهج الديمقراطي والاستفادة من التعدد القبلي والثقافي والديني في بناء مجتمع متماسك يعمل جميع أبنائه من أجل مصلحة الوطن في المقام الأول.
إن من الظلم أن تسيطر شريحة واحدة من الشرائح المكونة للشعب التشادي على السلطة والثروة والسلاح ولذلك فإن بقاء الأمر على ما هو عليه أمر غير مقبول وإن باركته فرنسا كما أن من المؤسف أن يتقاتل أبناء الوطن من أجل الوصول إلى السلطة في وطن يسعنا جميعا إن نحن آمنا بأننا متساوون في الحقوق والواجبات وأن من حق أي مواطن بغض النظر عن انتمائه القبلي بأن يحلم بقيادة هذا الوطن في يوم من الأيام.
شخصيا، استبعد أن يقدم آل اتنو تنازلات حقيقية عن المكاسب والثروات والنفوذ الذي حققوه خلال العقود الثلاثة الماضية ومؤكد أن يرفض الشعب والحركات المسلحة استمرار الوضع على ماهو عليه، وبالتالي فالخيار الوحيد أمام أنصار التغيير السلمي هو مواصلة نضالهم من أجل نيل حقوقهم أما من ارتهنوا إلى السلاح فسيلقون مصيرهم به عاجلا أم آجلا فكما قيل “من يأخذ بالسيف، بالسيف يهلك.”