بقلم: يونس السيد – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – بعد مرور نحو 10 أيام على اندلاع الحرب الجديدة بين إسرائيل والفلسطينيين لا توجد حتى كتابة هذه السطور أي مؤشرات على وقف إطلاق النار أو بوادر للتوصل إلى اتفاق تهدئة عادة ما كان يعقب الحروب الدورية بين الجانبين، على الرغم من الجهود المكثفة التي تنخرط فيها قوى إقليمية ودولية سعياً إلى التوصل إلى تهدئة طويلة الأمد يحتاجها الجميع بدءاً من القوى المنخرطة في الصراع إلى المنطقة والمجتمع الدولي بأسره.
ومع أن كل يوم يمر على استمرار هذه الحرب يجلب معه المزيد من الموت والدمار وسقوط المزيد من الضحايا المدنيين، خصوصاً في الجانب الفلسطيني، إلا أن ما يحول دون التوصل إلى وقف هذه الحرب المجنونة هو حسابات كلفة التهدئة والتصعيد للقوى المنخرطة في الصراع، إذ إن كلا الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي يتمسكان بقوة، كل لأسبابه، بعدم الظهور بمظهر الخاسر في هذه الحرب.
الجانب الإسرائيلي يراهن على كسب الوقت ويسابق الضغوط الدولية والإقليمية لوقف القتال، سعياً لكسب هذه الحرب، وعدم القبول بمنطق «لا غالب ولا مغلوب» لإعادة الاعتبار لما يعتبره هيبة الردع العسكري وتجنب تقديم تنازلات جوهرية للجانب الفلسطيني، فيما يتمسك الفلسطينيون بإمكانية الاستمرار في المواجهة ومنع إسرائيل من تحقيق انتصار، خصوصاً أنه لم يعد لديهم الكثير مما يخسرونه، بعد التدمير الشامل للبنية التحتية في قطاع غزة وسقوط هذا الكم الهائل من الضحايا المدنيين، ولإدراكهم أنهم لا يزالون يمتلكون وسائل الرد بعدما حققوا نوعاً من المفاجأة في تطوير الصواريخ التي يمتلكونها من حيث المدى والقوة التدميرية، وبالتالي فهم يسعون بدورهم إلى تحقيق ما يعتبرونه معادلة «توازن الردع».
ومن اللافت أن الصراع بات يتمحور هنا، بالرغم من الفارق الهائل في موازين القوى بين الطرفين، وبغض النظر عن تداعياته على صعيد الخسائر البشرية والبنى التحتية، ولعل هذا بالذات ما يدفع الجانب الإسرائيلي إلى المناورة ومحاولة كسب الوقت سعياً إلى تحقيق انتصار واضح في هذه الحرب. وبالعودة إلى حسابات كلفة التهدئة والتصعيد، فإن الطرفين باتا يسعيان إلى الاستثمار السياسي لتحقيق أهدافهما، وإن كانا يدخلان في اشتباك تفاوضي مع الوساطات والجهود الدولية والإقليمية الساعية إلى وقف هذه الحرب، ويبدو أن الجهود المبذولة الآن تنصب ليس فقط على وقف إطلاق النار وإنما على تحقيق تهدئة طويلة الأمد لإفساح المجال أمام إمكانية الانتقال إلى بدء مفاوضات حول تسوية سياسية للصراع المزمن بين الجانبين. إذ إن الجميع، سواء طرفي الصراع المباشرين، أو القوى الإقليمية والدولية، باتوا يدركون الآن أكثر من أي وقت مضى، أن التهدئة، حتى لو كانت طويلة المدى، لن تكون بديلا عن تسوية نهائية للصراع. فقد أثبتت التجارب الماضية أن التدمير والخسائر البشرية والحد من القدرات التسليحية للفصائل لن تحول دون إعادة بنائها من جديد، وربما تطويرها أكثر فأكثر مع وجود داعمين إقليميين، ما يعني أن الجميع سيظلون غارقين في دوامة هذا الصراع الذي سيظل مفتوحاً على حروب أخرى مقبلة.