By: Elizabeth Drew – Project Syndicate
الشرق اليوم- يمكن أن تسجَل هذه الفترة في تاريخ الولايات المتحدة على أنها اللحظة التي كُسر فيها النظام الديمقراطي الذي تتمتع به أمريكا في عملية انتخاب رئيس للبلاد، وهي المهمة الأهم بالنسبة لمواطني الولايات المتحدة.
صحيح أن وعد دستور الولايات المتحدة وفرضيته الأساسية- بأن الشعب هو من ينتخب الرئيس- لم يحقَقا تماما. إذ لم يثق الآباء المؤسسون الأرستقراطيون لأمريكا في الرعاع (أو العبيد أو النساء) لاختيار الشخص المناسب لشغل أقوى منصب في البلاد. لذلك، أصبح لدى الولايات المتحدة، في النهاية، رجال يفترض أنهم حكماء-الهيئة الانتخابية- لاختيار الرئيس.
وفي عهد الرئيس دونالد ترامب، كانت القضية المختلَقة هي ما إذا كان الفرز في المجمع الانتخابي يمثل بالفعل التصويت الشعبي في الولايات ذات الصلة. وما أصبح يطلق عليه “الكذبة الكبرى” لم يكن مجرد “سرقة” الأصوات من ترامب، ولكنها تضمنت أيضًا محاولات لإضفاء الشرعية على مختلف الوسائل المخادعة لمحاولة عكس النتيجة الحقيقية.
وفي الفترة التي سبقت انتخابات 2020، قال مقدمو البرامج الحوارية مازحين أنه إذا خسر ترامب، فقد يرفض ببساطة مغادرة البيت الأبيض. ولكن ترامب كان يفكر في شيء أكثر تفصيلاً وخطورة: إذا خسر، فسيعلن أن هناك خطأ في عدد الأصوات؛ وأن الأصوات قد سُرقت منه.
وتقول صحيفة (واشنطن بوست) أن هذه الاستراتيجية التي يستخدمها المرشحون الفاشلون كانت موضوع نقاش في الدوائر اليمينية لبعض الوقت؛ لكن المرشحين السابقين لمنصب فيدرالي رفضوا الفكرة. ومع ذلك، لم يكن ترامب قلقًا كثيرًا بشأن تأثير أفعاله على الآخرين أو الدولة. وبالكاد هناك أدلة تفيد بأنه يفهم الدستور.
ولكن التشكيك في صحة نتيجة الانتخابات الرسمية هو تقويض افتراض نزاهة النظام الانتخابي. ومع ذلك، أقنع الرئيس السابق السيء السمعة، والمرفوض، والمعزول مرتين، ما يصل إلى ثلاثة أرباع الجمهوريين بمزاعمه الخالية من الأدلة.
ويلزم النظر في حيثيات حدوث ذلك. إن أحد العوامل المهمة هو أن مفهوم استخدام الكذبة الكبيرة لم يؤيده ترامب وحده، بل أيضًا كتيبة من النشطاء اليمينيين، وبعض المذيعين الذين ساهموا في إدامته. ويتمتع ترامب بالمهارات الخطابية التي يتفنن فيها الديماغوجيون الموهوبون؛ فخطاباته الصاخبة تستمد قوتها من أسلوبها المسَلي، وهو يُخفي خطورتها بنكهة المرح. كما أن قسماً كبيراً من الناخبين الأمريكيين ليسوا مطَّلعين بما يكفي. فقد اندثر تعليم التربية المدنية بصورة أساسية، وشجع ترامب عدم الثقة في وسائل الإعلام، وحول الحقيقة إلى كرة طائرة.
ونظرًا للعدد الكبير والمتحمس من المتابعين الذين كان يكرههم بالفعل، والطبيعة المُرضية (بالنسبة لهم) لمزاعمه، وبعد أن سحب الآلاف من الأكاذيب الصغيرة، خفف ترامب من مضامين خطاباته السخيفة. ومن خلال الانتقاص من منافسيه واستعراض العضلات، سحق المنافسين المحتملين لقيادة الحزب- إذ حاول زعيم الأقلية الحذق في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، كسر قبضة ترامب، لكنه فشل في ذلك.
والآن، في حال لم يكن أحد الجمهوريين مطيعا بما يكفي، يمكن لترامب “أن يصوت ضد” هذا المنشق عن طريق دعم مرشح أو مرشحة أخرى لشغل المنصب المتبارى عليه. لذلك، يؤيد عدد كبير من الجمهوريين المنتخبين مزاعمه الانتخابية التي يعرفون أنه لا أساس لها (وكذلك إنكاره أنه حرض على هجوم 6 كانون الثاني/يناير على مبنى الكابيتول الأمريكي)، لأنهم بالإضافة إلى كونهم حذرين من ترمب، فهم يخشون أيضًا ناخبيهم الذين يطبقون تعليماته. وفوق كل هذا، يعتبر ترمب الأقوى في الحزب فيما يتعلق بجمع الأموال.
وما منع ترمب من أن يكون خطرًا أكبر على البلاد- على الأقل أوقفت خسارته لانتخابات 2020 مسيرته نحو السلطة الحكومية، والتي شملت السيطرة السياسية على البنتاغون ووزارة العدل، اللذين من المفترض أن يكونا مستقلين إلى حد ما عن البيت الأبيض- هو أنه على الرغم من كل ما لديه من دهاء ومثابرة وقيمة ترفيهية، فهو يقوم بأشياء غبية؛ إذ يوقع نفسه في الخطأ من خلال المبالغة في الأشياء.
فهو، على سبيل المثال، يواجه خطرا قانونيا لمحاولته التنمر على بعض مسؤولي الدولة عنما اتهمهم بتزوير نتائج الانتخابات. وحتى مطالبه بمحاكمة أعدائه السياسيين أصبحت مبالغا فيها بالنسبة للمدعي العام المتهاون، ويليام بار. كما أن فصل الأطفال المهاجرين عن عائلاتهم على الحدود كانت فضيحة وطنية.
إن مطالبته بأن يزيل الجمهوريون في مجلس النواب ليز تشيني من رئاسة التكتل الجمهوري، لأنها كانت تصر بشدة على أن أكاذيب ترامب المتعلقة بسرقة الأصوات تشكل تهديدًا للدستور، واستبدالها بالمتملقة، إليز ستيفانيك من نيويورك، جعلت تشيني تصبح أكثر عداوة بكثير. وفي الواقع، كان هناك شيء من المنطق في قول الجمهوريين بأنه كان محرجاً أن يكون أحد قادة الحزب الثلاث في مجلس النواب منتقدًا صريحًا للموقف الحزبي السائد، وإن كان مضللاً. لكن الجمهوريين لم يتمكنوا من إخفاء الأمر الأكثر وضوحًا وهو أنهم كانوا يسحقون المعارضة- بشأن قضية دستورية أساسية.
إن الانقسام داخل الحزب الجمهوري حول الكذبة الكبيرة لا يتعلق بالماضي فقط؛ بل يمكن أن يقرر مستقبل الحزب. لقد كان فوز الهيئة الانتخابية لجو بايدن ضيقا. وكان من الممكن أن يعكس فرق لا يتجاوز 43000 صوتا في ثلاث ولايات (جورجيا، ويسكونسن، وأريزونا) النتيجة. والآن، يسارع الجمهوريون على مستوى الولاية إلى إصدار تشريعات مصمَمة لتجعل التصويت أمرا صعبا على السود، لأن الجمهوريين يعتبرون قمع الناخبين مفتاحًا للفوز الرئاسي، ولو كانوا بدون أخلاق. وقد تجعل هذه القوانين تكرار الخريطة الانتخابية لعام 2020 صعبا بالنسبة لبايدن أو أي ديمقراطي آخر.
نحن الأمريكيون ندعي أننا دولة ملتزمة بسيادة القانون. ولكن الديمقراطية لا يمكن أن تنجح بدون التعاون الطوعي والثقة وضبط النفس. فالقوانين ليست ذاتية التنفيذ، وهناك سبب وجيه يجعل ترشيحات المحكمة العليا الآن موضوع نزاع شرس. فعلى الرغم من أنها وضعت في بعض الأحيان حدودًا لتجاوزات ترمب، بسبب رئاسته، إلا أن المحكمة ستخضع لسيطرة محافظة شديدة لبعض الوقت في المستقبل.
وإذا كانت الشخصيات الرئيسية تتصرف باستمرار بسوء نية، فلن تحمينا القوانين في النهاية. وهذا هو السبب في أن ترمب وما أطلق له العنان يشكلان تهديدًا كبيرًا على ديمقراطيتنا الدستورية.