بقلم: سميح صعب – النهار العربي
الشرق اليوم- يعيش الرئيس البرازيلي جايير بولسونارو حالة من الإنكار. فهو لا يريد الإقرار بتراجع شعبيته بسبب الثمن البشري الفادح الذي دفعته البلاد نتيجة وباء كورونا في الوقت الذي تشير فيه الإحصاءات إلى أنه حتى الأسبوع الماضي كانت البرازيل قد سجلت 430 ألف وفاة، ما يجعلها بعد الولايات المتحدة ثاني دولة من حيث عدد الوفيات منذ ظهور الفيروس للمرة الاولى في الصين في كانون الأول (ديسمبر) 2019.
ويسلك بولسونارو مسلك الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الذي تجاهل التحذيرات من عواقب الوباء، ورفض الإغلاقات أو الإيعاز للبرازيليين بارتداء الكمامات الواقية، ووصف الفيرو، بأنه لا يعدو كونه “إنفلونزا صغيرة”. وهذا ما دفع في حقيقة الأمر إلى إطلاق لقب “ترامب الإستوائي” عليه.
وقد يستحق بولسونارو هذا اللقب، عند الإمعان في تصرفاته الغريبة، للفت الأنظار. من التحليق بطائرة فوق متظاهرين يرفضون قيود كورونا، إلى قيادة مسيرة بالدراجات النارية، إلى تقدم مسيرة للمزارعين ممتطياً فرساً، إلى توعد حكام الولايات الذين فرضوا قيوداً في ولاياتهم لمكافحة الجائحة، إلى إعلانه منذ الآن أنه لن يعترف بنتائج الإنتخابات الرئاسية التي ستجري العام المقبل، إذا لم يكن هو الفائز فيها، إلى دعوته الجيش، وهو الضابط السابق فيه، إلى التدخل لتعزيز صلاحيات الرئيس الشعبوي.
وعلى غرار ترامب، يعتمد بولسونارو على الدعم الثابت لبعض الانجيليين الذين نظموا مسيرات تأييد له. وكان لافتاً أن الرئيس اليميني المتطرف كان من آخر زعماء العالم الذين هنأوا الرئيس الأميركي جو بايدن، على انتخابه في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، وذلك في خضم الجدل الذي أثاره “صديقه” ترامب حول ما وصفه بـ”سرقة” الانتخابات.
ويعيش بولسونارو منذ الآن كابوس الانتخابات الرئاسية التي ستجرى عام 2022. وزادت متاعبه، بعدما بات في إمكان الرئيس البرازيلي السابق لويس إيناسيو “لولا” دا سيلفا، الترشح لهذه الإنتخابات، وذلك إثر قرار من المحكمة العليا في البرازيل في آذار (مارس) الماضي، قضى بعدم صلاحية المحكمة التي أصدرت قراراً عام 2017، يدينه بالفساد خلال توليه الرئاسة لولايتين بين عامي 2003 و2010.
تزامن هذا التطور مع وصول شعبية بولسونارو إلى أدنى مستوياتها. فقد كشف استطلاع للرأي نشره قبل أيام معهد “داتافوليا” البرازيلي، أن نسبة التأييد له لا تتجاوز حالياً 24 في المئة وحتى تراجعت إلى ثلاثين في المئة في بعض الأوقات منذ وصوله إلى السلطة في كانون الثاني(يناير) 2019. وأظهر استطلاع الرأي نفسه أن لولا سيفوز في الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية بنسبة 55 في المئة من نيات التصويت، بفارق كبير عن بولسونارو الذي سيحصل على 32 في المئة من الأصوات.
وفي يد لولا، الذي لم يعلن حتى الآن عزمه على الترشح لولاية ثالثة، الكثير من الأوراق لاستخدامها في الحملة ضد بولسونارو، في حال قرر خوض الإنتخابات. لكنه أكد أنه سيكون مرشحاً “إذا لزم الأمر” من أجل التغلب على “فاشي مثل بولسونارو مرتكب إبادة جماعية لأنه مسؤول عن فوضى الوباء”.
وأمضى لولا سنة ونصف السنة في السجن بعد إدانته بتهمة الفساد، بين نيسان (أبريل) 2018 وتشرين الثاني (نوفمبر) 2019 وأفرج عنه بقرار بالاجماع للمحكمة العليا لكنه منع من الترشح للانتخابات. وعند إدخاله السجن كان الأوفر حظاً للفوز في الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في تشرين الأول (أكتوبر) 2018 بحسب نتائج استطلاعات الرأي.
وبعد مرور سنتين ونصف السنة، يبدو لولا الوحيد القادر على إلحاق الهزيمة ببولسونارو في انتخابات 2022.
لكن قرار المحكمة العليا لا يبرئ النقابي السابق من مضمون القضية. فخلال جلسة مقبلة، سيتعين على القضاة أن يقرروا ما إذا كانوا سيأمرون بإحالة القضية على محكمة في برازيليا أو ساو باولو.
كما سيقرر القضاة الـ 11 لاحقاً، ما إذا كان القاضي سيرجيو مورو الذي حكم على لولا بالسجن في 2017 “منحازاً” وعمل ضد مصلحة الرئيس اليساري السابق.
وكانت الغرفة الثانية في المحكمة العليا مالت إلى هذا الاتجاه في 23 آذار (مارس). واتهم لولا خصوصاً بتلقي رشى لتسهيل حصول شركات بناء على عقود عامة مرتبطة بشركة النفط الحكومية “بتروبراس” في إطار التحقيق المعروف باسم “الغسل السريع”.
ومع ذلك، فإن كل المؤشرات تدل الى أن البرازيل ستشهد حملة انتخابية ساخنة، مع اعتزام بولسونارو استخدام كل الوسائل، للبقاء في سدة الرئاسة على غرار ما فعله ترامب في الولايات المتحدة، عندما رفض التسليم بنتائج الانتخابات، ما زاد من استفحال الانقسام في الداخل الأميركي.