الشرق اليوم- أطلعت إثيوبيا، المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان على تقدم البناء في سد النهضة. خلال زيارة قام بها الأخير لأديس أبابا الأسبوع الماضي، والذي كان قد زار أيضاً كلاً من مصر والسودان ضمن سعيه لحل خلافات قضية سد النهضة. وعلى الرغم من عدم صدور نتائج لجولته تُحدد مصير عملية الملء الثاني، لا يزال التساؤل قائماً حول مضي إثيوبيا في عملية الملء الثاني في شتى الأحوال؟
ملء قبل الاتفاق
وشكلت هذه القضية إحدى أهم نقاط الخلاف الحالية بين إثيوبيا وكل من مصر والسودان اللتين ترفضان الخطوة قبل الوصول إلى اتفاق قانوني متكامل في قضية السد. وفي الوقت الذي تعهد فيه المبعوث الأميركي الخاص للقرن الأفريقي دعم بلاده المحايد والتزامها الراسخ لمساعدة الدول الثلاث في الوصول إلى نتيجة، يحيط الغموض مسارات الحلول التي توصل إليها فيلتمان مع الأطراف المعنية، وخصوصاً الطرف الإثيوبي الذي يصر على عملية الملء الثاني في يوليو (تموز) المقبل.
وكان وزير الري الإثيوبي سيلشي بقلي أوضح في تغريدة له على “تويتر”، الإثنين العاشر من مايو (أيار)، أنه أطلع المبعوث الأميركي على “تقدم البناء في سد النهضة” وعملية المفاوضات الثلاثية التي يقودها الاتحاد الأفريقي. في إشارة ضمنية لما بلغه السد الإثيوبي من مراحل تأتي من ضمنها عملية الملء الثاني.
وقالت وزارة الخارجية الإثيوبية من جانبها، إن لقاءات فيلتمان في أديس أبابا، كانت ناجحة جداً، فيما يتعلق بالمحادثات حول سد النهضة. وقال المتحدث باسم الوزارة دينا مفتي، خلال مؤتمر صحافي، “أكدنا للمبعوث الأميركي تمسكنا بمفاوضات دبلوماسية في ملف السد”، مشيراً إلى أن بلاده تسعى لنهاية “تجعل الكل رابحاً”، وهي العبارة التي درجت إثيوبيا إطلاقها عقب كل تفاوض.
ومن جهته، أكد رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد تعهد بلاده بتجاوز التحديات الراهنة، وإكمال سد النهضة. وقال في كلمة له بمناسبة عيد الفطر المبارك، إن “إثيوبيا ستمضي قدماً بتجاوزها لهذه التحديات، ومقبلة على فرص كبيرة نحو التنمية والاستقرار”.
الخارجية الأميركية
وتصاعد الخلاف بين إثيوبيا من جهة، ومصر والسودان من جهة ثانية عند إعلان أديس أبابا موعد الملء الثاني قبل الوصول إلى حل للقضية، في خطوة اعتبرتها الخرطوم “خطراً على مصالحها القومية ومواطنيها”، كما أشارت مصر إلى تأثيرها السلبي على حصتها من مياه النيل. وهدد الرئيس عبد الفتاح السيسي بمخاطر لا يسلم منها الإقليم في حال المساس بحصة مصر المائية، كما طالب السودان بمفاوضات ترعاها الأمم المتحدة وواشنطن والاتحادين الأفريقي والأوروبي، بعد فشل مفاوضات كينشاسا وإصرار الجانب الإثيوبي على مواقفه.
وفي الوقت الذي أوضح فيه كل من السودان ومصر للمبعوث الأميركي حجم “الأضرار القومية” التي تلحق ببلديهما، تستند إثيوبيا في إصرارها على عملية الملء الثاني إلى ما يلحق بها هي الأخرى من خسائر تتجاوز المليار دولار في حالة عدم استغلالها موسم الأمطار المقبل.
الخارجية الأميركية وعقب جولة فيلتمان ولقائه المسؤوليين الإثيوبيين ومسؤولي الاتحاد الأفريقي، أصدرت بياناً في 14 مايو دعت فيه الأطراف لاستئناف المفاوضات بشأن سد النهضة، مشيرة إلى أن القرارات المقبلة ستكون لها تداعيات كبيرة على شعوب المنطقة.
وقالت في بيان، لها إن “واشنطن تسعى للتوفيق بين مخاوف مصر والسودان بشأن الأمن المائي مع احتياجات التنمية في إثيوبيا من خلال مفاوضات بقيادة الاتحاد الإفريقي”. ودعا بيانها الذي لم يشر إلى “ما توصل له مبعوثها من نتائج مع أطراف الخلاف”، لاستئناف المفاوضات على وجه السرعة.
إشكالية وضمانات
وفي خضم هذه الأجواء المشحونة، لا يزال التساؤل حول معالم المرحلة المقبلة، ومدى تأثير جولة المبعوث الأميركي في حل خلافات أطراف سد النهضة، ودور الاتحاد الأفريقي؟ وهل تمضي إثيوبيا قدماً في برنامج الملء الثاني قبل التوصل إلى اتفاق مع طرفي المصب؟
ويقول ياسين أحمد رئيس المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية، “إن تزامن زيارة جيفري فيلتمان مع رئيس جمهورية الكونغو الذي يقود رئاسة الاتحاد الأفريقي، لعواصم الدول الثلاث، القاهرة والخرطوم وأديس أبابا، عززت دور الاتحاد الأفريقي في قيادة المفاوضات الثلاثية لسد النهضة”.
وفيما يتعلق بقضية الملء الثاني يضيف “موضوع الملء الثاني مرتبط بفترة زمنية ضيقة، ما ينفي إدراجه ضمن أي مساومات أو حتى توجيهات من الولايات المتحدة في جولة وساطة مبعوثها”. ويضيف “كما أن إثيوبيا تستند في عملية الملء الثاني إلى حق شرعي وفق اتفاق المبادئ، الذي تحدث عن استمرار بناء السد تماشياً مع مفاوصات النهضة”. ويقول أحمد “إن ما قدمته إثيوبيا من معلومات في هذا الإطار، والضمانات التي أبدتها للمبعوث الأميركي بعدم إلحاق أي ضرر بطرفي المصب، يعتبر تطوراً مهماً ضمن مراحل الثقة المتبادلة”.
الأمور على حالها
من جانبه يشير معتصم عبد القادر الحسن مدير المركز الأفريقي للاستشارات، أن ما تضمنه بيان الخارجية الأميركية من حث الأطراف على مواصلة المفاوضات، يأتي بعد إطلاع إدارة واشنطن عبر مبعوثها الخاص للقرن الأفريقي على الأوضاع، خصوصاً فيما يتعلق بتحفظات طرفي المصب.
ويرى عبد القادر أن زيارة فيلتمان للدول الثلاث جاءت “لاستكشاف جوانب الخلاف كافة، من دون الدخول في مناقشات مع تلك الدول أو إلزامها بأي شيء. ويضيف “أن الأمور في هذه الحالة، سواء في عزم إثيوبيا في قضية الملء الثاني وإصرار طرفي المصب على التوصل سريعاً إلى اتفاق قانوني (وهو ما أشار له رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك)، لا تزال عالقة”.
ويصف عبد القادر المرحلة المقبلة في قضية سد النهضة بعد زيارة المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي المنطقة، والخلافات التي لا تزال عالقة، إلى جانب الجهود التي يقودها الاتحاد الأفريقي برئاسة فيليكس تشيسيكيدي رئيس الكنغو، بـ”الحاسمة” لمستقبل قضية السد والمنطقة الإقليمية.
المصدر: اندبندنت عربية