بقلم: يونس السيد – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – لم يعد نظام القطب الواحد الذي تربعت على عرش قيادته الولايات المتحدة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، مضموناً للبيت الأبيض بعد الصعود اللافت للصين وروسيا على الصعيدين الاقتصادي والعسكري، بينما بات من الواضح أن التقارب الروسي الصيني ينذر بخسارة واشنطن لدورها القيادي في العالم.
الاستراتيجية الأمريكية بنيت أساساً على زرع وتعميق الخلاف بين روسيا والصين على نحو يمنح واشنطن، حرية الحركة في إدارة الملفات الدولية والقضايا العالقة وبؤر الصراعات المتفجرة، والمرونة اللازمة لاستقطاب الصين إلى جانبها. ولهذا سارعت واشنطن إلى مدّ يد التعاون مع بكين وفتح الأسواق الأمريكية أمامها وغض النظر عن الكثير من القضايا الخلافية، مثل هونج كونج والإيجور وبحر الصين الجنوبي وغيرها، على أمل إبقائها بعيدة عن روسيا التي كانت ترى فيها المنافس الأكثر خطورة وجدية لها منذ تولي بوتين سدة الحكم في الكرملين.
المفارقة أن واشنطن لم تُعِر، في البداية، أهمية كبيرة لتنامي قدرات الصين الاقتصادية والعسكرية، لتستفيق، في ظل أزمة جائحة كورونا، على واقع مذهل يشير إلى تفوق الصين في الشق الاقتصادي وحتى في بعض الجوانب العسكرية، بينما كان اقتصادها يتراجع إلى الحضيض. وهو ما دفع إدارة ترامب السابقة إلى فرض عقوبات على الصين وخوض حرب تجارية معها كادت أن تفضي إلى حرب عسكرية مدمرة. ومع أن إدارة بايدن كانت أكثر عقلانية وركزت في علاقتها مع الصين على المنافسة وليس خوض الحروب، من دون أن تتخلى عن استراتيجيتها الجديدة في التحرك نحو بحر الصين الجنوبي ومحاصرة حركة تجارتها البحرية من خلال منصاتها قواعدها العسكرية في اليابان وأستراليا وتايوان والفلبين، ما يعني نقل ثقلها العسكري إلى تلك المنطقة، والتفكير في الانسحاب من أفغانستان والعراق وبعض المناطق في الشرق الأوسط.
لكن ذلك لم يكن كافياً لوقف الصعود الصيني، والأسوأ بالنسبة لواشنطن، هو أن هذه السياسية أعطت مفعولاً عكسياً، ودفعت الصين وروسيا نحو المزيد من التقارب الذي تمت ترجمته في الكثير من اتفاقيات التعاون والتنسيق بين الطرفين، ما أثار قلق وحنق واشنطن التي لم يعد لديها القدرة على وقف عجلة هذا التعاون عن الدوران، خصوصاً بعد الزيارة الأخيرة التي قام بها بوتين إلى منتدى الحزام والطريق الدولي في بكين.
صحيح أن هذا التعاون لم يصل حتى الآن إلى مرتبة التحالف العسكري ولكن هذا التحالف لم يعد أمراً مستبعداً، مع بلوغ الطرفين الروسي والصيني حد النضج في التعامل مع التحديات والقضايا الدولية، وقدرتهما على التعامل بأريحية أكثر من واشنطن مع هذه القضايا، لأنهما ببساطة غير متورطتين في الكثير من المشاكل والتوترات في العالم، ومما لا شك فيه أن الإدارة في واشنطن تفحص جميع المقدمات التي يمكن أن تفضي إلى قيام تحالف عسكري روسي صيني، مع إدراك حقيقة أن نظام القطب الواحد بات في خطر بما في ذلك الدور الريادي لواشنطن وانعكاس ذلك على مجمل القضايا العالمية.