بقلم: محمد أحمد الزواوي – صحيفة “الغد” الأردنية
الشرق اليوم – نتنياهو يعيش مأزقاً كبيراً في الوقت الراهن، لكنه وبطبعه المراوغ يأمل بتحويله إلى مكسب، مثلما فعل مرات عديدة خلال سنوات حياته السياسية الطويلة التي أطالها بخبث ودهاء الثعالب. لكن بالطبع، فإن لكل شيء مهما طال نهاية.
الحلفاء الذين يحتاجهم من اليمين ليتمكن من تشكيل حكومة مثل افيغدور ليبرمان، يتهمون نتنياهو دائماً بالضعف أمام المقاومة في غزة، وعدم القدرة على المواجهة بطريقة تحل المشكلة بشكل جذري بحيث يجني تهدئة لفترة طويلة نسبياً بشكل متوازن في نفس الوقت مع حفظ قدرة الردع.
ترافقت مشكلة الشيخ جراح مع التصعيد بالأقصى ومفاجأة سيئة للغاية، متمثلة بوابل من الصواريخ من غزة. هو من ناحية يريد وقف صواريخ، خصوصاً بعد ما فوجئ بحجم القوة النيرانية ومداها وأضرارها البالغة، في نفس الوقت لتجنب الفاتورة الاقتصادية الباهظة لحرب شاملة في هذا التوقيت، وبعد موجات متتالية من الكورونا التي أنهكت اقتصاد الكيان.
إذن هو بين ضرورة إنهاء الحرب بأقل التكاليف الممكنة، لكن بشرط أن تنهي ذلك الإعصار المفاجئ والذي كاد يقتلع الكيان من جذوره بانتصار إعلامي وسياسي هو بأمس الحاجة إليه ربما قبيل انتخابات مقبلة، فهو بحاجة لدفعة قوية تمكنه من الحصول على ما يلزم من أجل تشكيل حكومة.
ترك الفصائل الفلسطينية بالقدرات التي أظهرتها، والتي ما تزال تخفي ربما أكثر مما ظهر بحسب الخبراء يعني نهاية نتنياهو سياسياً. وإبقاء معادلة الردع الحالية تعني ربما خسارة شبه مؤكدة للانتخابات القادمة، والخروج من الباب الصغير للعمل السياسي ومواجهة مصيره في المحكمة التي تنظر منذ سنوات في قضايا الفساد الغارق بها هو وعائلته حتى أذنيه.
عامل معين وهو ذو حدين برز أيضاً بشكل مفاجئ عندما انفجر الشارع العربي داخل الخط الأخضر في المدن العربية والمختلطة، وانهيار أسطورة الأسرلة والتعايش بسلام. على كلٍّ، هذا العامل بالتحديد، ربما يشكل وإن هز صورة دولة الاحتلال أمام العالم من جهة، كما أنه يشكل قنبلة موقوتة للجبهة الداخلية والمخاوف بأن تنتقل العدوى إلى مناطق السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية من ناحية أخرى. إلا أن موضوع عرب الداخل ربما من أكثر العوامل التي يمكن أن يستخدمها نتنياهو في صالحه لحشد حلفائه من أقصى اليمين، عبر تغذية شعبوية استناداً إلى أن الأحداث الجارية تعتبر موحدة أكثر للشارع السياسي وخصوصاً اليمين المتطرف، بسبب التهديد المباشر ليهودية الدولة من الداخل، والذي عادةً يكون من أكثر العوامل التي قد تؤدي إلى وأد الخلافات حتى لو بشكل مؤقت، وبالتالي تدفع باتجاه تشكيل حكومة وحدة بقيادة نتنياهو.
باختصار، فإن نهاية الإعصار الذي ضرب دولة الاحتلال مرهون بتحقيق انتصار معنوي كبير لدرجة تمنح صورة نتنياهو زخماً كافيا لشفاء صدور اليمين المتعطش للدماء العربية ولكسر شوكة غزة. مع الأخذ بالاعتبار ضرورة عدم الانجرار وراء حرب مطولة غير مضمونة النتائج من ناحية، بالإضافة إلى عدم التعويل بشكل كاف على حماس الإدارة الأميركية لسيناريو مثل هذا في الوقت الحالي على الأقل.
إذن نتنياهو الآن كمن يراقب مؤشرات المعركة في غزة باحثاً عن نصر كبير سريع ومؤثر، وعينه الأخرى على جبهته الداخلية وحلفائه المستقبليين. ففي اللحظة التي ستتاح له الفرصة لقنص انتصار كبير وتجميع العدد الكافي من حلفاء سيتوقف على الفور. وهنا، تكمن خطورة رهانه، أولاً بسبب تدهور الأوضاع في القدس، بالإضافة إلى عدم القدرة على التنبؤ بما تبقى من القدرات الكامنة عند الفصائل الفلسطينية. فهو كمن يمشي على رمال متحركة، على اعتبار أن أي مفاجأة سيئة أخرى تخبئها له جبهة غزة مثل اختطاف جنود، ربما تكلفه ما تبقى من مستقبله السياسي. وعليه، فإنه الآن يلتف كالأفعى حول غزة في حالة تأهب لاقتناص فريسة ثقيلة مثل اغتيال رأس كبيرة أو إرهاق الفصائل لدرجة تقبل بتهدئة مطولة بشروطه هو هذه المرة. إذن هو أمام سيناريو حياة أو موت على صعيد مستقبله السياسي، وفرصه تبدو متباينة بشكل كبير، لكن على الأرجح فإن هذا المستقبل لم يعد يبدو طويلاً هذه المرة على الإطلاق.