بقلم: رفيق خوري – إندبندنت عربية
الشرق اليوم – إثيوبيا في ورطة، من حيث يتصرف رئيس الوزراء، آبي أحمد، كأنه يخرجها من ورطة. الورطة الجديدة عميقة ومزدوجة: داخلية وخارجية.
في الداخل حرب أهلية بين إثنيات قوية. وفي الخارج دخول في حرب مياه قيل مراراً إنها ستكون معركة المستقبل في المنطقة: من التلاعب التركي بحصة سوريا من مياه الفرات وحصة العراق من دجلة والفرات إلى دور نهر الأردن في الصراع العربي- الإسرائيلي، وصولاً إلى تلاعب أديس أبابا بحصة كل من السودان ومصر في مياه النيل.
أحدث فصول الحرب الأهلية هو احتلال الجيش الإثيوبي لإقليم تيغراي بمساعدة من قوات إريترية أرسلها الرئيس أسياس أفورقي، الذي له ثأر على تيغراي بعدما كان رفيقاً لرئيس الوزراء الإثيوبي، ميليس زيناوي، من تيغراي. وأغرب فصول الورطة الخارجية هو اصطدام إثيوبيا بالعالم العربي وتحايلها على وساطة الاتحاد الأفريقي الذي مركزه في العاصمة أديس أبابا، واستخفافها بالضغط الأميركي والروسي والصيني لتسهيل التوصل إلى “اتفاق ملزم” مطلوب من الخرطوم والقاهرة حول تقاسم مياه النيل.
وليس أمراً عادياً أن تصطدم إثيوبيا بالعرب، وهي عندهم الحبشة التي كانوا على أطيب العلاقات معها منذ القدم. ففي الأيام الأولى للدعوة الإسلامية هرب المسلمون الأوائل من مكة إلى الحبشة ليتجنبوا ظلم قريش لهم. فوجدوا الحماية والإكرام. بلال الحبشي صار مؤذن الرسول في يثرب التي أصبحت المدينة المنورة بهجرة النبي محمد إليها والتفاف المهاجرين والأنصار حول الدعوة. و”بطريق” الأحباش كان الأقرب إلى العرب المسلمين. حتى الإمبراطور هيلا سلاسي، فإنه كان صديق العرب.
وليس أمراً بسيطاً أن يصطدم آبي أحمد، بالكنيسة الأرثوذكسية التي يحذر رئيسها من القضاء على تيغراي. فهو ينتمي إلى جماعة “عولو وينجل” التي تتبنى التفسير الحرفي والكامل للكتاب المقدس في جميع أمور الحياة. وهو كان جزءاً من السلطة التي أقامتها “الجبهة الثورية الديمقراطية لشعب إثيوبيا” وضمت “حركة الأمهرة الوطنية الديمقراطية” و”منظمة شعب الأورومو الديمقراطية”، و”جبهة تحرير تيغراي” و”الحركة الديمقراطية لشعوب جنوب إثيوبيا”. وذلك بعد إسقاط حكم “الدرغ” برئاسة منغستو هيلا مريام الذي أسقط الإمبراطور هيلا سلاسي.
رئيس الوزراء من تسعينيات القرن الماضي إلى عام 2012 كان ميليس زيناوي من “تيغراي”. بعد وفاة زيناوي تسلم الرئاسة ديساتل ثم استقال وسط اضطرابات ليأتي آبي أحمد من “الأورومو” في تحالف مع نخبة “أمهرية” مع عين حمراء على نفوذ أقلية تيغراي، خلال سنين.
آبي أحمد بدأ تسوية مع زعيم إريتريا أفورقي وحصلا على جائزة نوبل للسلام. لكن البخار صعد في رأسه، بحيث أسس حزب “الرخاء” كبديل من الجبهة الثورية، وأراد نقل البلد من الحكم الفيدرالي الواسع إلى الحكم المركزي الضيّق. وهذا سر هجومه بمساعدة أفورقي على تيغراي ورئيس الإقليم والجبهة الشعبية والنائب السابق لرئيس الوزراء درصيون جبريميكائيل، وارتكاب مجازر واغتصاب نساء وتشريد عائلات وفرض حكام تابعين له. لكن حرب تيغراي لم تنتهِ تماماً. ومن يعرف نخبتها بقيادة المناضل القديم درصيون يدرك أن من الصعب القضاء على المقاومة.
فضلاً عن أن مشروع الحكم المركزي الذي يريد آبي أحمد، فرضه هو ضد طبيعة الأمور وتركيبة المجتمع الإثيوبي. صحيح أن الأورومو هم أكبر الأقليات، وأن أعداد الأمهرة والتيغراي وشعوب الجنوب أقل بكثير. لكن الصحيح أيضاً أن كل هذه الإثنيات لها تاريخ في القتال وحماية الذات والهوية. ومن الصعب السيطرة عليها بجيش تسيطر على قيادته إثنية واحدة. حتى أيام الإمبراطورية التي ضمت إلى الحبشة إريتريا وحاربت في الصومال وجيبوتي، فإن احترام الفيدرالية كان أساس المُلك. والسؤال المعلق فوق رأس آبي أحمد هو: كيف بني مشروع سلطة في مواجهة إثنيات غير راضية، وفي مشكلة مع مصر والسودان وكل العرب، وفي موقف صعب مع أميركا وروسيا والصين؟ هل يستمر الازدهار الاقتصادي في مثل هذا المناخ المتوتر مهما تكن مكاسب “سد النهضة”؟ إلى أي حد يستطيع المراوغة مع الموفد الأميركي الخاص جيفري فيلتمان؟ وإلى أين يهرب من المبادرة الأفريقية لحل أزمة السد التي حملها رئيس الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي الرئيس الحالي للاتحاد الأفريقي؟
أحلام القادة تفتح الطريق إلى النمو والتقدم، لكن تكبير الأحلام إلى حد الأوهام يقود إلى كوابيس.