بقلم: علي قباجه – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – تواجه أفغانستان مستقبلاً قاتماً مع انسحاب أمريكا وحلفائها من دول «الناتو»، لتسليمها للحكومة الأفغانية، التي يُجمع الكثير من الأوساط ضعفها أمام مقاتلي «طالبان»، في حال فرغت الساحة من دعم لوجستي أجنبي على الأرض للجيش الوطني الذي يواجه يومياً هجمات عنيفة من حركة «طالبان»، كما يخوض معارك في أكثر من جبهة، على الرغم من محاولات التوصل إلى هدنة وتقريب وجهات النظر للوصول إلى حكومة متفق عليها.
التقديرات تشير إلى قوة «طالبان» وعلو يدها ضد الجيش، وعلى الرغم من الوعود الأمريكية بمواصلة تقديم الدعم «من بعيد» للحفاظ على التماسك الحكومي. فإنه لا يفي بالغرض مع زخم الميدان الذي ترجح كفته لصالح الحركة على المدى المتوسط، فمستشار الأمن القومي الأمريكي سوليفان، قال إن «الرئيس الأمريكي جو بايدن لا ينوي إعادة القوات الأمريكية إلى أفغانستان، ولا يمكنني تقديم أي ضمانات بشأن ما سيحدث داخل هذا البلد ولا أحد يستطيع ذلك».
ومع عدم وجود ضمانات حقيقية، فإن إعلان بايدن المضي في خطة سلفه بانسحاب آخر جندي بحلول 11 سبتمبر المقبل، لتشكل خاتمة لحرب استمرت عشرين عاماً، أثار المخاوف بانتعاش تنظيمي «القاعدة» و«داعش» الإرهابيين، في ظل بيئة خصبة لهما، كما يهدد «المنجزات» الأمريكية بعدما دعمت تحولاً ديمقراطياً، أنتج حكومة مؤسسات.
ومع غياب اتفاق لوقف إطلاق نار مستدام بين «طالبان» والحكومة، فالبلاد ليست بمنأى عن حرب أهلية جديدة، تماماً كتلك التي تلت الانسحاب السوفييتي في أواخر ثمانينات القرن الماضي، وهذه المرة قد تعيد حكم «طالبان»، على الرغم من أن الجيش الأفغاني بلغ عدده 350 ألف جندي وشرطي ينفذون اليوم 98% من العمليات ضد الحركة، بدعم جوي أمريكي – أطلسي. لذا فقد تصبح القوات الأفغانية على المحك من دون هذا الدعم، في ظل سيطرة المتمردين على أكثر من نصف الأراضي الأفغانية، خصوصاً القسم الأكبر من الأرياف والطرق الاستراتيجية، وحتى أثناء محادثات الهدنة كانت معارك شرسة تدور على الأرض سقط فيها مئات القتلى، لذا فلا ضمانة حقيقية بأن تلتزم «طالبان» بأي اتفاق يضمن تقاسم السلطة، مع التوجه الأيديولوجي المتطرف الذي يدفع الحركة للاستئثار بالحكم.
الرئيس الأفغاني، أشرف غني، أعد خطة تشمل اتفاقاً سياسياً مع «طالبان» ووقفاً للحرب وانتخابات؛ حيث لقيت هذه الخطة تأييداً أمريكياً بتشكيل حكومة انتقالية تشارك فيها الحركة، لكن «طالبان» شددت على فكرة أن أفغانستان يجب أن تعود مجدداً لتصبح إمارة يديرها مجلس ديني، وهو ما يخالف التوجه الحكومي.
أفغانستان تواجه تحديات كبيرة، والفشل يتربص بها من كل جانب، والحل لا بد أن يكون من الداخل، فالبلاد بحاجة إلى تغليب مصالحها أولاً، وأن لا تسمح بأن تصبح مرتعاً تتنافس عليها الدول الإقليمية والكبرى في الفترة المقبلة. فالانسحاب الأجنبي فرصة كبيرة للبدء من جديد عبر التوافق ونبذ الخلافات والسعي إلى نهضة البلاد وإخراجها من مربع الفقر الذي ترزح تحته منذ سنوات طوال، وبديل ذلك سيكون احتراب لا ينتهي، ضحيته الشعب.