افتتاحية صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – لا يزال وباء كورونا يعصف بشدة في مختلف أرجاء العالم، ويوقع المزيد من الضحايا والإصابات، رغم الجهود الحثيثة التي تبذل لاحتوائه، لكن من الملاحظ أن الدول الفقيرة تعاني أكثر من غيرها جراء سياسات الاحتكار التي تمارسها بعض الدول الكبرى، والشركات المنتجة التي ترفض التخلي عن حقوق الملكية لتمكين الدول الفقيرة من إنتاج اللقاح من دون كلفة باهظة، وتمكين ملايين الفقراء من الحصول على اللقاح.
وتشير آخر الإحصاءات إلى استفحال الوباء في العديد من الدول، خصوصاً في الهند وسريلانكا وماليزيا. ففي الهند وحدها بلغ عدد الوفَيات نحو 260 ألفاً، فيما تجاوز عدد المصابين ال24 مليون إصابة.
والأخطر أن السلالة الهندية من «كورونا» بدأت تنتشر في العديد من الدول، من بينها روسيا وبريطانيا، حيث عبّر رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، عن قلقه من انتشار المتحوّر الهندي، قائلاً «إنه متحوّر يثير القلق والخوف، ويجب أن نتخذ كل الخطوات الاحترازية».
بعض الدول بدأت تتخذ خطوات للتخفيف من الإجراءات الاحترازية، فيما أخذت دول أخرى تشدد الإجراءات من خلال حظر السفر ومنع التجمعات العامة والحفلات، وتقييد وسائل النقل، ما يعني أن الوباء لا يزال عصياً على الحصار، وبإمكانه الانتشار، وتغيير شكله، بما يجعل القضاء عليه أصعب مما كان يُعتقد من قبل.
كل ذلك يستدعي أيضاً تغييراً في الاستراتيجيات الدولية المعتمدة لمواجهته، ويجب أن تكون البداية من الإقرار بأن من حق الفقراء الحصول على اللقاح بالتساوي مع الأغنياء، إذ من الخطأ الاعتقاد بأن تحصين الأغنياء يكفي، فهذا الوباء صار معولماً، وقادراً على الانتشار، متجاوزاً كل الحدود والأعراق والألوان، وبما أن العالم بات قرية صغيرة فلا بد من سياسة تتعامل على أساس أن الوباء يهدد الجميع.
ولهذا السبب، فإن منظمة الصحة العالمية تواصل إطلاق النداءات، داعية إلى عدالة في التوزيع، وقد حذّر مدير عام المنظمة، تيدروس أدهانوم جيبرسوس، من أن العالم على شفا «فشل أخلاقي كارثي» في ما يتعلق بتوزيع اللقاحات، وحثّ الدول والشركات المنتجة على مشاركة اللقاحات المضادة لفيروس كورونا بشكل أكثر إنصافاً في جميع أنحاء العالم، وقال «في نهاية المطاف، لن تسفر هذه التصرفات إلا عن إطالة أمد الوباء».
إذاً، نحن أمام خيارين لا ثالث لهما، إما تغيير النهج العالمي الحالي في التعاطي مع الوباء كي يمكن هزيمته، وإما الإبقاء على نهج الاحتكار القائم، ما يعني أن الوباء سوف ينتشر أكثر، وربما تظهر سلالات جديدة لا تنفع معها اللقاحات الحالية. هذان الخياران هما المتوفران، ولا بد من الاختيار سريعاً قبل أن يعلن العالم استسلامه للوباء الذي قد يتحول إلى إعصار مدمّر.