الرئيسية / مقالات رأي / أوروبا على مفترق طرق

أوروبا على مفترق طرق

بقلم: محمد خليفة – صحيفة “الخليج”

الشرق اليوم – أثّرت جائحة كورونا في مختلف دول الاتحاد الأوروبي التي تضررت اقتصاداتها بصورة كبيرة، وأصبحت هناك دول أوروبية على شفير الإفلاس مثل: إيطاليا وإسبانيا والبرتغال، وغيرها من دول الاتحاد الأوروبي التي كانت تعاني أزمات اقتصادية قبل وقوع الجائحة.

وقد طالبت هذه الدول بتقديم حزم اقتصادية لها عبر ما سمّي «سندات كورونا» لدعمها ومنع انهيار اقتصاداتها. ففي الشهر الماضي، عقد زعماء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي اجتماعاً عبر الفيديو، للتباحث حول الانعكاسات المالية لوباء كورونا، واتفقوا على حزمة مساعدات بقيمة 500 مليار يورو، وتأسيس صندوق لإعادة الإعمار بقيمة 1000 مليار يورو، لكن ظلت تفاصيل عمل هذا الصندوق غير محسومة، وظلت الخلافات قائمة بخصوص ما إذا كان الصندوق سيقدم منحاً نقدية أم يكتفي بالإقراض فقط.

وقد تركز الخلاف، بشكل أساسي، بشأن إمكانية إصدار سندات مشتركة لدول الاتحاد تعرف باسم «سندات اليورو»، لمساعدة الدول الأشد تضرراً في الاقتراض من الأسواق المالية بكلفة محتملة، وهو ما رفضته الدول الغنية مثل: ألمانيا وهولندا والنمسا والسويد. وتعني الموافقة على هذه السندات أن دول اليورو جميعها، الغنية منها والفقيرة، تستدين أموالاً من الأسواق المالية، ومن ثم تقوم بتوزيعها فيما بينها، وإعطاء ضمانة مشتركة لإعادة دفع هذه الديون والفوائد. وعلى الدول القوية مالياً دفع فوائد عالية أكثر من الدول الضعيفة، وبهذه الطريقة سيخف عبء الديون على الدول الضعيفة. 

وإذا تعثرت هذه الدول في الدفع، فإن الدول القوية تتحمل ديونها وفوائدها. وفي إجراء لافت، فقد أصدرت المحكمة الدستورية العليا الألمانية، قراراً أيدت فيه العديد من الشكاوى المقدمة ضد برنامج البنك المركزي الأوروبي لشراء السندات الحكومية، بهدف تعزيز اقتصادات منطقة اليورو.

واعتبر الحكم أن الحكومة والبرلمان الألمانيين لم يتحركا ضد المساس بالحقوق الأساسية وفق القانون الألماني. وطلبت المحكمة من «بوندسبنك» البنك المركزي الألماني، أكبر المساهمين في المركزي الأوروبي بنسبة 26 في المئة، بعدم المشاركة في «التسهيل الكمّي» لبرنامج شراء الأصول «إلا إذا تبنّى المجلس الحاكم للبنك المركزي الأوروبي قراراً جديداً يظهر بطريقة مفهومة ومثبتة بأن أهداف السياسة النقدية، التي يسعى إليها البنك المركزي الأوروبي، متناسقة مع النتائج المحصّل عليها على المستوى المالي والضريبي».

وهذا القرار وضع عقبة كبيرة أمام الحكومة الألمانية بخصوص الموافقة على سندات كورونا، فلم يعد بوسع هذه الحكومة التصرف كما تشاء فيما يخص الثروة القومية للبلاد، بل عليها أن تتبع الوسائل التجارية المعروفة في تقديم القروض والتسهيلات البنكية، وهذا يعني أن المنح والقروض من دون فوائد، باتت ممنوعة على هذه الحكومة. ورغم ذلك فقد توالت المحادثات بين الدول الأوروبية، لوضع خطة إنعاش اقتصادي مشتركة.

إن الدول الغنية لا تريد أن تدفع من حسابها لصالح الدول المدينة التي تضررت بشدة من كورونا، وقد اقترحت هذه الدول تقديم قروض قابلة للرد، بدلاً من إعطاء منح مجانية لاقتصادات تلك الدول. وتم اقتراح تخفيض الجزء الخاص بالمنح في صندوق الإنعاش من 500 مليار يورو إلى 450 مليار يورو، وإضافة «كابح طوارئ» بشأن صرف هذه المنح، لكن السويد طالبت بالنيابة عن الدول الغنية، بتخفيض المنح إلى 155 مليار يورو فقط، وهذا مبلغ لا يسدّ سوى جزء ضئيل من احتياجات الدول المتضررة.

والواقع أن فشل الاتحاد الأوروبي في التوافق على خطة إنعاش اقتصادي مشتركة سيفتح الباب على مصراعيه أمام تفككه. ذلك أن القواسم المشتركة التي جمعت دول غرب أوروبا، ودفعتها إلى التكتل والوحدة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، قد تلاشت الآن، فلم يعد هناك ما كان يسمى «الخطر الشيوعي».

وقد جاءت جائحة كورونا كاختبار لقدرة دول الاتحاد على التعاون فيما بينها، للتخفيف من آثار تلك الجائحة، لكن اتضح أن كل دولة عملت بمفردها بعيداً عن الدول الأخرى، كما أن دولاً تضررت كثيراً مثل: إيطاليا وإسبانيا، لم تلقَ من باقي الدول أية مساعدة. والآن وبعد فشل دول الاتحاد في التوافق على خطة الإنعاش الاقتصادي، فإن الخيار الوحيد أمام دول الاتحاد هو العمل على تدبير شؤونها بنفسها.

شاهد أيضاً

أمريكا والمسكوت عنه!

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– الدولة تتكون من شعب وسلطة وإقليم؛ ويكون الشعب فى أعلى …