بقلم: مفتاح شعيب – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – يحرص الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، على الظهور هادئا في كل المناسبات الوطنية والدولية، حتى وهو يواجه قضايا حساسة ومعقدة مثل تشنج العلاقات مع واشنطن والضغوط الغربية على بلاده، التي أدت إلى تبادل فرض العقوبات وطرد بعض الدبلوماسيين من الجانبين. وفي كل المواقف لا يبدو هدوء الرئيس الروسي مصطنعاً، بل يعطي دليلاً إضافياً أن هذا الرجل واثق من نفسه ومن بلده ويعرف ما يفعل.
في ذكرى النصر على النازية، ندد بوتين بعودة الخطابات العنصرية والتفوق القومي ومعاداة السامية وكراهية روسيا، وهي حقيقة لا تخطئها عين في السياسات الغربية منذ سنوات، وتحديداً بعد أزمة القرم في أوكرانيا والتدخل العسكري الروسي في سوريا وقلب الأوضاع رأساً على عقب، ولكن موسكو لا تفوت فرصة من دون التأكيد على حقها في مواجهة هذه الهجمات، وأمام مئات العسكريين ببزاتهم الرسمية في الساحة الحمراء ذات الدلالات البعيدة، قال بوتين إن روسيا ستدافع «بحزم» عن مصالحها وسلامة شعبها، كما ستدافع «بلا كلل» عن القانون الدولي.
وفي نظر الكثير من المراقبين الروس وغيرهم فإن موسكو تتعرض، في كثير من الأحيان، إلى ضغوط غير مبررة، وإن بعض الدول الأوروبية تنظر إلى روسيا وكأنها «دولة متخلفة» ولم تتلحق بركب المتقدمين، وهذا الإمعان في الازدراء ليس نتاج رؤى سياسية مبنية على حقائق ووقائع، بل نابع من أحقاد وضغائن قديمة تحملها بعض الدول ضد روسيا، وهو ما لا يخدم مصلحة الأمن والسلام في أوروبا، ويزيد من زرع القنابل الموقوتة في العلاقات بين روسيا والغرب.
معلوم أن الصراع بين الدول أمر قائم منذ الأزل، وهو محرك التقدم والدافع نحو الاستقرار، وفي عصرنا الحالي يشهد العالم طفرة من الصراعات على محاور عدة. وفرض تضارب المصالح واختلاف الطموحات ألواناً من الحروب السياسية والاقتصادية والتكنولوجية والعلمية، ويهدد تفاقمها بتداعيات سيئة جداً إذا لم تكن هناك ضوابط وحدود للخلاف والصراع، ويتوقف هذا على مدى استجابة الزعماء إلى نوازع الخير والتعاون والحوار والتصرف بحكمة في الأوقات الحرجة.
في هذا السياق يأتي التحضير لعقد أول قمة مباشرة بين بوتين ونظيره الأمريكي، جو بايدن، الشهر المقبل في إحدى الدول الأوروبية، وهي قمة ضرورية ومطلوبة في ظل التهديدات المتبادلة والتنافر بين البلدين اللذين يملكان أكثر من 90 في المئة من الرؤوس النووية في العالم.
اللقاء المنتظر بين بوتين وبايدن سيتركز حول مسألة الاستقرار الاستراتيجي المتعلقة بموضوعات التسلح والصواريخ بعيدة المدى وانتشار قوات البلدين والتنسيق بينهما في بعض نقاط التماس، وعلى افتراض أن القمة حدثت، فلن تحقق فوائد دائمة بالنظر إلى أن ملفات متشعبة يجري تهميشها خصوصاً من الجانب الأمريكي، فالانسحاب من أفغانسان والوضع في شرق أوكرانيا، وصولاً إلى الشرق الأوسط المأزوم، كلها قضايا تتطلب تفاهم موسكو وواشنطن في كنف العقلانية والهدوء من أجل مصلحة عالم لم يعد يتحمل أي توتر أو صراع.