بقلم: إبراهيم غرايبة – صحيفة “الاتحاد”
الشرق اليوم – سوف تكون كوريا الشمالية موضوعاً رئيسياً في أجندة لقاء الرئيس الأميركي، جو بايدن، مع رئيس كوريا الجنوبية، مون جاي إن، يوم الـ21 من شهر مايو الجاري في العاصمة الكورية سيؤول، كما كان جزءاً رئيسياً من محادثات الرئيس الأميركي مع رئيس الوزراء الياباني في واشنطن يوم الـ21 من أبريل الماضي.
وفي الوقت الذي تركز فيه كل من اليابان وكوريا الجنوبية على مقايضة كوريا الشمالية والصين بالتعاون الاقتصادي والبيئي والقضايا العالمية مقابل نزع السلاح النووي لكوريا الشمالية، فإن الولايات المتحدة تبدو متجهةً إلى تحويل كوريا الشمالية إلى صداع صيني أكثر مما تريد أن تصل إلى تسوية شاملة. وهذه إحدى نقاط الخلاف الرئيسية بين الولايات المتحدة وحليفها الرئيسي كوريا الجنوبية، إذ تتطلع الأخيرة إلى استيعاب جارتها ودمجها في المنظومة السياسية والاقتصادية الإقليمية والعالمية مقابل تخليها عن أسلحة الدمار الشامل، وتخفيض التوتر الأمني والإنفاق والجهد العسكري.. لكن الولايات المتحدة تهدف إلى إرباك الصين ودفعها إلى سياسات اقتصادية وعالمية مختلفة، مثل قضايا الملكية الفكرية والتجارة العالمية والأجور وحقوق الإنسان والحريات.. أو بعبارة أخرى أكثر وضوحاً ألا تكون الصين تهديداً أو حتى منافساً لقيادة أميركا العالمَ، وأن يكون ميزان التجارة الصيني الأميركي لصالح الولايات المتحدة وليس العكس. وفي ذلك فإن الولايات المتحدة لا تبدو مشغولةً أو متحمسةً للأفكار والسياسات اليابانية والكورية الجنوبية، بل تريدهما حليفاً سياسياً واستراتيجياً في المواجهة مع الصين، وأن تكون كوريا الشمالية عنوان هذه المواجهة!
وربما يكون الانسحاب الأميركي من أفغانستان يخدم هذه الاستراتيجية الأميركية في تحويل حالة عدم الاستقرار من أزمة أميركية إلى صداع لروسيا وإيران والصين.. وباكستان أيضاً، إذ رغم التحالف الاستراتيجي التاريخي بين الدولتين، فإن ثمة خلافات كبرى بينهما حول السياسات المتعلقة بأفغانستان.
لا يبدو أصدقاء الولايات المتحدة متحمسين للحرب الباردة المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين. ربما تكون بريطانيا وبعض الدول الأوروبية منزعجة من السياسات الاقتصادية والتجارية للصين، وربما تتحمس أوروبا للتحالف مع الولايات المتحدة في مواجهة الصين مقابل إحياء وتطوير حلف الأطلسي (الناتو) ومواجهة روسيا ومساعدة أوكرانيا ودول أوروبا الشرقية على الابتعاد عن روسيا والاندماج في أوروبا، لكن أوروبا تريد من الولايات المتحدة أكثر مما تقدِّم لها، كما أن روسيا تمثل صداعاً لأوروبا أكثر من الولايات المتحدة. وهذا فيما تبدو روسيا مرشحة بالنسبة للولايات المتحدة لتكون أكثر من محايد وأقل من صديق، وقد تفضل أميركا ذلك لأجل التضييق على الصين أو كسر احتمالات التحالف الصيني الروسي.
لكن المفاجأة غير المستبعدة في هذه التحولات أن تبدي الصين استعداداً كبيراً للتعاون في القضايا العالمية، وأن تسعى لدمج كوريا الشمالية إقليمياً وعالمياً، فالصين ليست معنية كثيراً بالمواجهة مع الولايات المتحدة بقدر ما هي معنية بمصالحها الاقتصادية والتجارية، كما أن كوريا الشمالية تمثل عبئاً كبيراً على الصين، سواء في إنفاقها العسكري الهائل وفي النزيف الاقتصادي والتنموي الذي تسببه، ذلك أن كوريا الشمالية رهنت كل مقدراتها ومواردها لأجل الجيش والسلاح، ولم تعد دولة منتجةً اقتصادياً بالقدر الذي تفي باحتياجات شعبها الأساسية، وصارت تعتمد في ذلك على الصين.