بقلم: حازم الغبرا – العرب اللندنية
الشرق اليوم- سبب الاختراق السيبراني الذي تعرضت له شركة “كولونيال بايبلاين” الأميركية أزمة كبرى في مجال الطاقة في الولايات المتحدة، حيث عطّل هذا الاختراق الخطوط الأساسية التي تنقل مشتقات النفط والغاز من محطات التصفية في ولاية تكساس إلى شرق الولايات المتحدة الأميركية.
تعد شبكة خطوط “كولونيال بايبلاين” التي عطّلت بشكل كلي هي الأكبر من نوعها في الولايات المتحدة بامتداد يتجاوز 5500 ميل، وقد دفعت هذه الأزمة الحكومة الأميركية إلى إعلان حالة طوارئ – وهو أمر نادر الحدوث – بغية السماح للشاحنات بنقل الوقود براً خارج الجداول الزمنية الموضوعة لضمان السلامة العامة.
وتلقي هذه الأزمة المزيد من الضوء حول الأمن السيبراني في الولايات المتحدة وخطر الاختراقات المتتالية التي تتعرض لها الحكومة وكبرى الشركات الأميركية بشكل متسارع، حيث لم تمض أسابيع بعد على اكتشاف اختراق شركة “سولار ويندز” لبرامج إدارة الشبكات والتي استطاعت عبرها مجموعة من القراصنة المرتبطين بجهاز المخابرات الخارجية الروسية اختراق شبكات الحكومة الأميركية بما فيها وزارات الدفاع والخزينة والأمن الوطني، بالإضافة إلى شركات مايكروسوفت وانتل وسيسكو.
ومع أن الاختراق الذي تعرضت له شركة “كولونيال بايبلاين” هو من نوع “رانسوم وير” أو ما يعرف بالقرصنة لطلب فدية مالية، إلا أن الحكومة الأميركية لديها قناعة أن أطرافا حكومية روسية تقوم بالعمل بشكل مباشر أو غير مباشر لتوجيه القراصنة السيبرانيين نحو أهداف تهدد الأمن والاقتصاد في الولايات المتحدة.
وقد قام مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي بالفعل باتهام مجموعة القرصنة التي تسمي نفسها “داركسايد” بالتسبب في اختراق “كولونيال بايبلاين”. وهذه المجموعة الحديثة نسبياً تقوم بشكل دوري باختراق شركات ومؤسسات غربية، وتطالب بفدية تتراوح بين 200 ألف ومليوني دولار مقابل إصلاح الضرر أو عدم نشر معلومات سرية استحوذت عليها. ومن المثير للاهتمام أن هذه المجموعة المتمركزة في روسيا وشرق أوروبا تعمل بشكل شبه علني، حتى أن لديها خطا هاتفيا يمكن للضحية الاتصال به لتنسيق عملية وكيفية دفع الفدية!
ومع أن مجموعة “داركسايد” قد قامت بنشر تعميم ينص أنها ليست مرتبطة بحكومة أو جهة معينة ولم تكن تقصد إحداث هذا الضرر الكبير في أسواق الطاقة الأميركية، إلا أن المؤشرات تدل بوضوح على تعاون رسمي روسي مع هذه المجموعة. حيث تقوم “داركسايد” بمهاجمة الشركات الأميركية بشكل أساسي ولا تهاجم أي شركات أو مصالح في روسيا ودول الاتحاد السوفييتي السابق.
كما أن اختراق شركات ومؤسسات كبرى من هذا النوع ليس أمرا بسيطاً وعمليات القرصنة مقابل فدية تحتاج لمجموعة من الخطوات بما فيها تبييض الأموال الواردة، ومن شبه المستحيل أن تستطيع مجموعات قرصنة بهذا الحجم العمل على أراضي الدولة الروسية المعروفة بنظامها الأمني المتشدد دون اتفاق أو قبول أو حتى غض طرف من طرف السلطات الروسية.
وحسب تقرير أعدّه جهاز المخابرات البحرية الأميركية اطلعت عليه صحيفة “العرب”، فإن الحكومة الأميركية ترى بلا شك أن “الاعتماد على قراصنة ليسوا تابعين بشكل مباشر للحكومة هو عنصر أساس في الإستراتيجية السيبرانية الهجومية الروسية بسبب سهولة العمل مع هؤلاء القراصنة وقابلية نفي العلاقة معهم”. ويضيف التقرير أن “هذا التوجه يسبب إرباكا حيث من الواضح أن الحكومة الروسية هي وراء هذه العمليات إلا أن عدم وجود دليل ملموس وقاطع يصعّب عملية الرد”.
ومن المتوقع أن يؤدي هذا الاختراق الجديد إلى المزيد من العقوبات الأميركية ضد روسيا بعد أسابيع قليلة من فرض عقوبات اقتصادية صارمة رداً على اختراق “سولار ويندز”، لكن أصواتاً بدأت تتعالى في مراكز صنع القرار الأميركي حول عدم جدوى العقوبات والحاجة إلى الرد بالمثل وحتى إلى التصعيد.
وبالرغم من قيام الرئيس الأميركي جو بايدن بإصدار أوامر لتعزيز القدرات الدفاعية السيبرانية ضمن الوزارات والمؤسسات الحكومية إلا أن هذا قد لا يكفي لمواجهة خطر القراصنة الروس الذين يعتبرون الأمهر في العالم.