افتتاحية صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – تواجه الحكومة الانتقالية الليبية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، مأزقاً فعلياً قد يطيح بكل الآمال المعقودة عليها منذ تشكيلها قبل ثلاثة أشهر، فهي لم تتمكن حتى الآن من ترجمة برنامج عملها إلى فعل، خصوصاً ما يتعلق بانسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة، وحل الميليشيات المحلية وتوحيد القوات المسلحة، وتحقيق المصالحة الوطنية، وصولاً إلى إجراء انتخابات عامة في الرابع والعشرين من ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
لكن مسألة انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة تشكل العائق الأكبر أمام الحكومة، لأنها تمثل مفتاحاً لحل بقية القضايا، باعتبار أن هذا الوجود غير الشرعي يحول دون توحيد القوات المسلحة لأنه يدعم طرفاً ليبياً ويعادي طرفاً آخر، إضافة إلى أنه يمثل انتهاكاً للسيادة الوطنية، ويعيق المصالحة الوطنية، كما أن الوجود العسكري الأجنبي يمنع إجراء الانتخابات في موعدها.
منذ تشكيلها، تحاول الحكومة الليبية إقناع الأطراف المتورطة في الحرب، وتحديداً تركيا، بسحب قواتها والمجموعات المسلحة التي جاءت بها من شمال سوريا، لكنها فشلت في هذه المهمة، رغم تبادل الزيارات مع المسؤولين الأتراك الذين يحاولون شرعنة وجودهم العسكري من خلال الاتفاقات التي أبرمت مع حكومة الوفاق السابقة برئاسة فايز السراج.
ورغم القرارات التي صدرت عن مجلس الأمن الدولي خلال الأشهر الأخيرة التي دعت إلى «انسحاب القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا من دون تأخير»، ورغم مطالبة اللجنة الرباعية بشأن ليبيا التي تضم جامعة الدول العربية والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي بانسحاب «فوري وغير مشروط لكافة القوات الأجنبية والمرتزقة من ليبيا»، ورغم تأكيد وزيرة خارجية ليبيا نجلاء المنقوش على أن «أمن ليبيا يعتمد على انسحاب القوات الأجنبية»، ورغم دعوة جامعة الدول العربية ودول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى ضرورة الانسحاب العاجل للقوات الأجنبية.. رغم كل ذلك فإن تركيا لا تزال تماطل وتختلق الأعذار لإبقاء قواتها في ليبيا.
وكان آخر المواقف التركية قد صدر عن وزير خارجيتها مولود شاوش أوغلو بعد اجتماعه الأسبوع الماضي في طرابلس مع رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة، حيث رفض الوزير التركي مساواة تواجد قوات بلاده مع «القوات الأخرى»، من دون أن يسمي هذه القوات، معتبراً أن وجود القوات التركية كان لمنع وقوع ليبيا في حرب أهلية، وقد سبقه إلى هذه المواقف الرئيس أردوغان الذي قال إن بلاده ستبحث سحب قواتها إذا انسحبت القوات الأجنبية الأخرى، في حين قال مستشاره ياسين أقطاي إن بلاده متمسكة بالاتفاقات الموقعة مع حكومة الوفاق، وإن أنقرة لن تتراجع عن مواقفها، بسبب ما أسماه «انزعاج بعض الأطراف».
وهكذا، فإن الحكومة الليبية لا تزال تدور في حلقة مفرغة، فهي غير قادرة على فرض الانسحاب بالقوة واستعادة السيادة الوطنية، وغير قادرة على تنفيذ خارطة الطريق التي وعدت بها، ولا تستطيع إعادة بناء الدولة ومؤسساتها.. ما يضع مستقبلها ومستقبل ليبيا أمام المجهول مجدداً.