بقلم: سميح صعب – النهار العربي
الشرق اليوم- خرج رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ورئيسة الوزراء الأسكوتلندية نيكولا ستورجن، رابحين من الإنتخابات المحلية التي جرت الخميس الماضي. لكن من شأن هذا التطور أن يزيد الجدل السياسي إشتعالاً في المملكة التي يريدها جونسون أن تبقى متحدة، بينما ترى ستورجن أن الفرصة باتت سانحة لنيل الأسكوتلنديين إستقلالهم وتحقيق حلم وليم والاس، الرمز التاريخي في الذاكرة الأسكوتلندية.
وأتت الإنتخابات المحلية بعد ما يزيد على عام ونيف من خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي المعروف إختصاراً بـ”بريكست”، وهي عملية قادها جونسون بناء على الإستفتاء الذي أجري عام 2016، وأيدت فيه نسبة 51.9 في المئة من البريطانيين الإنسحاب من الإتحاد، في حين أن الأسكوتلنديين في ذاك الإستفتاء، صوتوا في غالبيتهم ضد “بريكست”، مفضلين البقاء في أوروبا.
وإختيرت ستورجن، زعيمة للحزب الوطني الأسكوتلندي عام 2014 ومن ثم رئيسة لوزراء المقاطعة خلفاً لأليكس سالموند الذي استقال عقب رفض الأسكوتلنديين بنسبة 55 في المئة الإستفتاء على الإستقلال عام 2014. وكانت ستورجن في خضم المفاوضات الشاقة التي قادتها رئيسة الوزراء البريطانية السابقة تيريزا ماي ومن بعدها بوريس جونسون لتطبيق “بريكست”، تذكر دائماً بأن أسكوتلندا ترى مصيرها مرتبطاً بأوروبا، وأنها تريد إجراء استفتاء جديد على الإستقلال في ضوء إنفصال بريطانيا عن الإتحاد.
وفور صدور نتائج الإنتخابات المحلية الخميس، سارعت ستورجن إلى البناء عليها من أجل طرح مطلب إجراء الإستفتاء. وقالت إنه “ببساطة لا يوجد أي مبرر ديموقراطي لبوريس جونسون، أو لأي شخص آخر، للسعي إلى عرقلة حق الشعب الإسكوتلندي في اختيار مستقبله”. لكن لا يبدو أن هذا الطلب يسير التحقق في ظل وجود شخصية مثل جونسون في “10 داونينغ ستريت”.
ويرى جونسون أن مسألة بخطورة استقلال أسكوتلندا عن المملكة المتحدة، لا يمكن أن تطرح على استفتاء “إلا مرة كل جيل”. وهو قال قبيل الإنتخابات عندما سئل عن الموضوع، إن إجراء مثل هذا الإستفتاء في الوقت الحاضر، “سيكون عملاً متهوراً وغير مسؤول”. ومن المرجح أن يزداد جونسون تعنتاً، خصوصاً أن موقع حزب المحافظين الحاكم قد تعزز بعد الإنتخابات المحلية.
وفي خطوة ذات مغزى، قال جونسون في رسالة تهنئة بعث بها إلى ستورجن، أن حكومة المملكة المتحدة تريد العمل مع حكومة ستورجن بـ”روح التعاون” من ضمن “فريق المملكة المتحدة”.
لكن المواجهة بين الجانبين قد تقود إلى قرار من ستورجن بإجراء الإستفتاء من دون موافقة جونسون، وذلك بالإستناد إلى تحالف مع حزب الخضر يؤمن لها الغالبية في البرلمان الأسكوتلندي للمضي في مثل هذه الخطوة. وفي هذه الحال سيرفع رئيس الوزراء البريطاني شكوى إلى المحكمة العليا لإبداء الرأي في مدى قانونية الإستفتاء.
طبعاً، لن تكون مهمة ستورجن سهلة في مقابل جونسون الذي يعتبر أنه إنفصال بريطانيا عن الإتحاد الأوروبي كان أعظم إنجاز حققته المملكة المتحدة على طريق استعادة شخصيتها وإستقلالية قرارها. ولن يسمح السياسي المحافظ بإضعاف المملكة من خلال خطوات قد تؤدي إلى إنفراط عقدها. وقد يقود إستقلال أسكوتلندا إلى تشجيع ويلز أو إيرلندا الشمالية على طلب الإنفصال، الأمر الذي لا يمكن تخيل أن أي رئيس وزراء بريطاني سيقبل به.
ومما يزيد في تصلب جونسون، هو أن بريطانيا الخارجة للتو من الإتحاد الأوروبي، والتي أنهكها الوباء ولا تزال تعيش تداعياته البشرية والإقتصادية، في حاجة إلى التماسك الداخلي أكثر من أي وقت مضى، للتكيف مع مرحلة ما بعد “بريكست”، عوض الدخول في مجازفات داخلية لا يمكن التكهن بما ستؤول إليه.
كما أن إنفصال أسكوتلندا يرتب أعباء على المملكة المتحدة من الناحية الإستراتيجية، كون قواعد الغواصات والصواريخ النووية البريطانية تتخذ من أسكوتلندا مقراً لها. وهذا مما يزيد من تشدد لندن حيال أي محاولات أسكوتلندية جدية للإنفصال.