بقلم: خيرالله خيرالله – العرب اللندنية
الشرق اليوم- تفاوض إيران أميركا في فيينا وغير فيينا وتتابع، في الوقت ذاته، ممارسة الضغط في كلّ من العراق وسوريا ولبنان واليمن من منطلق أنّ لديها أوراقا في الإقليم تستطيع من خلالها التأثير على أميركا وحلفائها في المنطقة. تستغلّ إيران وجود إدارة أميركية منشغلة بالوضع الداخلي في الولايات المتحدة وبالتحدّي الصيني كي تتابع سياسة تعتمد أساسا على فرض أمر واقع في الشرق الأوسط والخليج.
قصفت إيران عبر إحدى ميليشياتها المحلّية قاعدة عين الأسد في محافظة الأنبار العراقيّة حيث معظم العسكريين الأميركيين الذين لا يزالوا في العراق. تبدو الرسالة الإيرانية واضحة. فحوى الرسالة أنّ “الجمهوريّة الإسلاميّة” في موقع قوّة وهي تفاوض من أجل رفع العقوبات الأميركية التي فرضتها إدارة دونالد ترامب ولا تفكّر في البحث في إعادة النظر في سلوكها في العراق وفي المنطقة. ليس ما يشير إلى أن إيران مستعدّة للبحث في أيّ تراجع من نوعه في العراق الذي تعتبره الجائزة الكبرى التي نالتها في العام 2003 بعدما قررت إدارة جورج بوش الابن اجتياح هذا البلد المهمّ وتقديمه إليها على صحن من فضّة.
في غياب موقف أميركي واضح من الهجمات الحوثيّة، أي الإيرانيّة، على مآرب، لن تعود هناك حاجة إلى مبعوث أميركي إلى اليمن
من يواجه إيران في العراق ليس أميركا التي بدت دائما على استعداد لعقد صفقة معها. وهذا ما حصل في عهد باراك أوباما وحتّى في عهد ترامب وإن في حدود معيّنة بقيت في إطار هامش ضيّق. ما لبثت الإدارة السابقة أن تجاهلت هذا الهامش عندما اتخذت قرارا باغتيال قاسم سليماني، قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني وأبومهدي المهندس نائب قائد “الحشد الشعبي” في العراق. اغتالتهما بعيد خروجهما من مطار بغداد مطلع العام 2020 وليس في أيّ مكان آخر. يظلّ “الحشد الشعبي”، إلى إشعار آخر، أداة إيران في العراق. للمرّة الأولى، منذ سنوات عدّة، تجرّأت إدارة أميركية على المسّ بمصالح إيران في العراق بدل مراعاتها. كشفت إدارة ترامب أن إيران ليست سوى “نمر من ورق” وأنّ مشكلة أميركا الدائمة منذ احتجاز الديبلوماسيين الأميركيين في طهران 444 يوما ابتداء من تشرين الثاني – نوفمبر 1979، تكمن في الاستسلام لرغبات “الجمهوريّة الإسلاميّة” وشهواتها.
تبيّن بالملموس أنّ من يواجه إيران في العراق هو الشعب العراقي بأكثريتّه، بما في ذلك الشيعة العرب الذين يرفضون أن يكون بلدهم جرما يدور في الفلك الإيراني وأن تكون ثروات العراق مستباحة من إيران. تتذرّع إيران بأنّ من حقها الحصول على تعويضات عراقية بسبب حرب السنوات الثماني. تتجاهل أنّه بغض النظر عن الطرف الذي بدأ تلك الحرب في العام 1980، يبقى أن إيران هي المسؤولة عن إطالتها وعن الخسائر التي لحقت بدول المنطقة كلّها…
يمكن وضع العراق وممارسات إيران فيه جانبا، كذلك ما تقوم به إيران في سوريا حيث هي الشريك الأساسي في الحرب التي يشنّها النظام الأقلّوي على الشعب السوري. كذلك، يحتاج الوجود الإيراني في لبنان، حيث تمارس “الجمهوريّة الإسلاميّة” وصاية كاملة على البلد وتدعم رئيسا للجمهورية يرفض تشكيل حكومة، إلى مجلّد كامل. ما هو لافت حاليا ذلك التصلّب الإيراني في اليمن والهجمات المتتالية التي يشنّها الحوثيون على مأرب. لم يعد سرّا أن إيران تريد إسقاط مأرب فيما المفاوضات مستمرّة بينها وبين الأميركيين وذلك بهدف واضح. يتمثل هذا الهدف في إقامة كيان تابع لها كلّيا في شمال اليمن. قطع السفير الإيراني لدى الحوثيين حسن إيرلو الطريق على أيّ تسوية في اليمن بقوله مباشرة بعد المبادرة السعودية في آذار – مارس الماضي “مبادرة السعوديّة مشروع حرب دائمة واستمرار للاحتلال ولجرائم الحرب وليست إنهاء للحرب”. وضع شروط “الجمهوريّة الإسلاميّة” لإنهاء الحرب في اليمن بقوله في تغريدة له “المبادرة الحقيقية تعني وقف الحرب بشكل كامل ورفع الحصار بشكل كامل وإنهاء الاحتلال السعودي وسحب قواته العسكرية وعدم دعم المرتزقة والتكفيريين بالمال والأسلحة وحوارا سياسيا بين اليمنيين دون أيّ تدخلات خارجيّة”.
لم تحد إيران عن خط متابعة عدوانها على مأرب مستخدمة الحوثيين الذين يتبيّن كلّ يوم أنّ قرارهم في طهران وليس في مكان آخر وذلك في ظلّ وجود إدارة أميركية متردّدة وحائرة. أكثر من ذلك، يتأكّد يوميا أن حسن إيرلو، وهو ضابط في “الحرس الثوري”، يتحكّم بصنعاء وأنّه صاحب القرار النهائي فيها.
مرّة أخرى، إن معركة مأرب في غاية الأهمّية، خصوصا أن سقوطها يستهدف إقامة كيان قابل للحياة في اليمن تحت السيطرة الإيرانية الكاملة. ففي مأرب سدّ بناه الشيخ زايد بن سلطان، رحمه الله، وافتتح في العام 1986 وفيها نفط ومنها يضخّ الغاز في اتجاه محافظة شبوة. هناك خط للأنابيب يربط مأرب بالحديدة منذ أيّام الرئيس الراحل علي عبدالله صالح.
من يواجه إيران في العراق ليس أميركا التي بدت دائما على استعداد لعقد صفقة معها. وهذا ما حصل في عهد باراك أوباما وحتّى في عهد ترامب
في ظلّ الظروف الراهنة والجهود التي يبذلها المبعوث الأميركي إلى اليمن تيموثي ليندركينغ، تواجه إدارة جو بايدن اختبارا حقيقيا. اسم هذا الاختبار مأرب التي يتهددها الحوثيون الذين تقف وراءهم إيران.
تطرح قضيّة مأرب سلسلة من الأسئلة أولّها هل ترضخ إدارة بايدن لإيران أم لا؟ وهل تقبل التفاوض معها في ظلّ الضغوط التي تمارسها في كلّ من العراق وسوريا ولبنان واليمن؟ الأهمّ من ذلك كلّه سيتبيّن قريبا وفي ضوء ما سيحل بمأرب هل إدارة جو بايدن هي بمثابة الولاية الثالثة لباراك أوباما أم لا؟
ما يفترض أن يبقى عالقا في ذهن المسؤولين الأميركيين أنّ باراك أوباما استسلم أمام إيران خارج إيران. استسلم أمام إيران في سوريا حيث تحدّث في العام 2013 عن “خط أحمر” ليس مسموحا للنظام تجاوزه هو الأسلحة الكيمياوية. استخدم النظام السلاح الكيمياوي في حربه على السوريين. كانت النتيجة أن أوباما صار يرى كل الألوان في العالم باستثناء اللون الأحمر الذي نسي أنّه موجود!
في غياب موقف أميركي واضح من الهجمات الحوثيّة، أي الإيرانيّة، على مآرب، لن تعود هناك حاجة إلى مبعوث أميركي إلى اليمن. فقبل الاهتمام الأميركي باليمن والتركيز على ضرورة وقف الحرب، من المفيد توفير نوع من الصدقيّة للمبعوث الذي لم يكن بعيدا عن مبادرة السلام السعوديّة التي رفضها الحوثيون وما زالوا يرفضونها لأسباب إيرانية وليس لأسباب أخرى.