الرئيسية / مقالات رأي / الشرق الأوسط غير مقبل على تحولات جذرية إيجابية

الشرق الأوسط غير مقبل على تحولات جذرية إيجابية

بقلم: هشام ملحم – الحرة

الشرق اليوم- المباحثات والاتصالات السرية والعلنية التي جرت في الأسابيع الماضية بين بعض دول الشرق الاوسط المتنازعة منذ سنوات، دفعت ببعض المعلقين للقول بأن المنطقة مشرفة على تحولات سياسية واعدة يمكن أن تخلق أجواء إيجابية جديدة لتخطي النزاعات المكلفة بشريا وماديا، ولتأسيس علاقات تعاونية  سياسيا واقتصاديا وخاصة إذا لعبت واشنطن دورا سياسيا لضمان نجاحها. هذا التقويم الإيجابي متسرع ويعكس تمنيات أصحابه أكثر مما يعكس الواقع المعقد في المنطقة وتاريخها القريب، خاصة وأن اللاعبين الذين زجوا المنطقة في نزاعات دموية في اليمن وليبيا، ووسعوا من الاستقطابات والمواجهات في سوريا والعراق، وبين دول الخليج، هم ذاتهم الذين يتحدثون الآن عن الحلول الدبلوماسية للأزمات التي تسببوا بها. 

المحادثات السرية التي جرت في العراق مؤخرا بين السعودية وإيران، والمباحثات التي جرت في القاهرة بين مصر وتركيا على مستوى نائب وزير الخارجية، والاتصال الهاتفي بين الرئيس التركي رجب طيب إردوغان والعاهل السعودي الملك سلمان، حظيت باهتمام إعلامي في المنطقة وفي العواصم الغربية، وإن بقيت الاتصالات ” استكشافية” في هذا الوقت المبكر.  

أن يدرك قادة دول المنطقة ان النزاعات التي تسببّوا بها، وساهمت في تأزيمها أكثر دول أخرى من خارج المنطقة وأبرزها روسيا، أصبحت كلفتها البشرية والمادية مرهقة وأصبح من الصعب مواصلتها بشكل مفتوح، هو أمر إيجابي بحد ذاته ولا يمكن إلا الترحيب به. 

 ولكن قبل الحديث عن شرق أوسط جديد، يجب أن نذكر أنفسنا بأن الشرق الأوسط الراهن هو أسوأ بكثير من الشرق الأوسط الذي عهدناه قبل بداية الانتفاضات العربية التي انتهت كلها – باستثناء تونس – في حروب أهلية: سوريا وليبيا واليمن، وانقلاب دموي في مصر صاحبه اضطهاد أوسع للحريات، وقمع سياسي في البحرين مدعوم بحراب سعودية. في العقد الماضي عصفت بالمنطقة موجة يمينية قمعية وشوفينية كان من أبرز رموزها صعود ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي أدت حربه ضد اليمن إلى خلق أكبر كارثة انسانية في القرن الحادي والعشرين في أفقر بلد عربي، صاحبها حملة ترهيب داخلية ضد الناشطين في مجال حقوق الإنسان، والسياسات العدائية للرئيس التركي اردوغان في سوريا وليبيا، وقمعه الشرس للحريات العامة في تركيا، وعودة الحكم العسكري الى مصر بعد الانقلاب الذي قاده عبد الفتاح السيسي. وحتى في اسرائيل، جنحت حكومات بنيامين نتنياهو إلى اليمين الشوفيني والتعصب الديني، ما أدى إلى تأزيم العلاقات أكثر بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وتعميق مخاوف الإسرائيليين الليبراليين من إخطار هذا الجنوح. 

خلال العقد الماضي، قادت الولايات المتحدة ائتلافا عسكريا دوليا لدحر خطر إرهاب “الدولة الإسلامية” (داعش) في سوريا والعراق، وتوصلت إلى اتفاق نووي مع إيران، بقي على قيد الحياة لأقل من ثلاثة سنوات قبل أن يلغيه الرئيس السابق ترامب، وقبل أن يبدأ الرئيس بايدن منذ أسابيع قليلة محاولة إحيائه، في مفاوضات صعبة مع إيران، الدولة التي قامت في العقد الماضي، وحتى بعد التوقيع على الاتفاق النووي، بالتعاون مع ميليشيات شيعية عربية وأفغانية وباكستانية بإحكام سيطرتها الخانقة على العراق وسوريا واليمن ولبنان. في سنة 2011 سحب الرئيس الأسبق باراك أوباما القوات الاميركية من العراق، في سياق سياسة أوسع تهدف إلى تقليص الانتشار العسكري وحى الاهتمام السياسي بمنطقة الشرق الاوسط، من أجل “التحول” أكثر باتجاه الشرق الأقصى لمواجهة التحدي الصيني الاستراتيجي والاقتصادي. ترامب وبايدن على الرغم من التناقض الواسع بينهما حول مختلف القضايا، إلا أنهما التقيا على ضرورة مواصلة تخفيف البروفيل الأميركي في المنطقة.  

الأمير محمد بن سلمان، الذي وصف المرشد الإيراني علي خامنئي في 2017 بأنه  “هتلر الجديد في إيران” يجد نفسه مضطرا للتفاوض معه الآن، بعد ان أدرك أن حربه الدونكيخوتية الدموية في اليمن قد كشفت أن السعودية هي بيت واسع ولكن دون سقف يقيه من خطر الصواريخ الباليستية والطيارات المسيرة التي زودتها إيران للقوات الحوثية في اليمن لكي تطلقها بشكل عشوائي ضد الأهداف الاقتصادية والمرافق النفطية والمدن السعودية. الهجوم الصاروخي الذي تعرضت له منشآت النفط السعودية في إبقيق وخريس في سبتمبر 2019، والذي كشفت الاستخبارات الاميركية أن إيران كانت مسؤولة عنه، أظهر ضعف الدفاعات السعودية، وهز القيادة السياسية في الرياض لأن الرئيس ترامب وصديق القيادة السعودية لم يدافع عنها ولم يعاقب إيران عسكريا، وفقا لسذاجة الحسابات السعودية آنذاك.  قرار الرئيس بايدن تعليق بعض صفقات الاسلحة للسعودية، وتعيينه لمبعوث خاص لليمن، ودعوته لإنهاء الحرب، ساهمت أيضا في إقناع السعودية بالاتصال المباشر بإيران. 

وعلى الرغم من أن ادارة الرئيس بايدن ألغت تصنيف إدارة الرئيس ترامب لحركة الحوثيين كتنظيم إرهابي، إلا أن الحوثيين، كثفوا في الأسابيع الأخيرة من تحدياتهم للسعودية وللولايات المتحدة من خلال تكثيف هجومهم ضد مدينة مأرب وقصف الأراضي السعودية. انتقادات وزارة الخارجية الاميركية للحوثيين وسلوكهم العدائي، كما جاء في بيانها يوم الجمعة حول جولة المبعوث تيم ليندركينغ يؤكد ذلك. لا توجد هناك أي مؤشرات ملموسة تبين أن إيران سوف تتوقف عن استخدام الحوثيين لاستنزاف السعودية. الاتفاق النووي لم يغير من سياسة ايران في اليمن، وفي حال إحيائه من المستبعد أن يؤدي إلى تغيير جذري في سياسات إيران في المنطقة. العلاقات الإيرانية-السعودية منذ الثورة الإيرانية في 1979، اتسمت بفترات توتر طويلة كانت تتخللها بين وقت وآخر هدنة قصيرة، يعقبها توتر جديد. في 2015 دعا العاهل السعودي  الملك عبدالله، الرئيس الإيراني آنذاك محمود أحمدي نجاد إلى قمة إسلامية وأجلسه إلى يمينه، ومشيا معا يدا بيد. في غياب تغيير سياسي جذري في السعودية او إيران، او البلدين معا، من المرجح أن تبقى العلاقات متوترة، وإن بمستويات مختلفة. 

المباحثات “الاستكشافية” بين تركيا ومصر، والحديث  رغبة تركية بتحسين العلاقات مع الدول الخليجية، وحتى إسرائيل جاءت بمبادرة من الرئيس إردوغان، الذي يجد نفسه في عزلة متزايدة في المنطقة، وفي مواجهة أزمة اقتصادية قوية وعلاقات متوترة مع واشنطن ومع دول حلف الناتو بسبب سياساته المتهورة، مثل شراء الأسلحة الروسية وإجراءاته  العدائية تجاه اليونان وقبرص في سياق التنقيب عن مصادر الطاقة في شرق المتوسط. مصر تريد من تركيا وقف دعمها للاخوان المسلمين والمعارضين المصريين الذين لجأوا إلى تركيا بعد الانقلاب العسكري، وأيضا سحب القوات التركية والمرتزقة الذين تستخدمهم في ليبيا. تركيا بدأت بلجم الأصوات المصرية المناوئة لنظام السيسي، وألمحت إلى إمكانية سحب مرتزقتها، ولكن من المستبعد أن تسحب قواتها العسكرية التي تقول إنها منتشرة في ليبيا بدعوة من الحكومة المعترف بها دوليا. تركيا، تدرك أيضا أن العودة الدبلوماسية السعودية إلى سوريا، ( بعد عودة دول خليجية أخرى) بعد المحادثات التي أجراها في دمشق مؤخرا الفريق خالد الحميدان رئيس الاستخبارات العامة السعودية  مع نائب الرئيس السوري للشؤون الأمنية اللواء علي المملوك،  والتي يمكن الإعلان عنها بعد عطلة عيد الفطر تهدف من جملة ما تهدف إليه الى الحد من النفوذ التركي في سوريا. 

الرئيس التركي يريد التخفيف من عزلته واحتواء التحديات المختلفة التي يواجهها، ولكنه رجل له قناعات وطموحات سياسية ودينية راسخة، وغالى فيها كثيرا في السنوات الماضية، وكلها تشير إلى انه قد يناور تكتيكيا لتحسين وضعه المتردي، ولكن من الصعب جدا أن نتوقع أن يغير من قناعاته العميقة.  

معظم هؤلاء القادة، هم أتوقراطيون متسلطون، ويتفردون إلى حد كبير في اتخاذ قراراتهم، دون رقابة او محاسبة من مجالس نيابية مستقلة تعكس رغبات شعوب المنطقة. قبل أشهر تم الإعلان عن إنهاء الحصار الاقتصادي والسياسي الذي فرضته السعودية ودولة الإمارات ومصر ضد قطر، (بعد أن ثبت فشله في تغيير سلوك قطر) ولكن لم يتعرض أي مسؤول في الدول التي فرضت الحصار إلى أي مسائلة علنية، حول كلفة الحصار ومضاعفاته السلبية على جميع الأطراف. كما لم تتم مسائلة أي مسؤول قطري حول تعزيز الوجود العسكري التركي في قطر، أو التقارب مع النظام الإيراني. وبغض النظر عن النتائج النهائية لهذه الاتصالات والمباحثات والمناورات السياسية، لن نرى أي مسائلة للرئيس إردوغان، او الأمير محمد بن سلمان، أو الرئيس السيسي، أو الرئيس الاسد. طبعا المسائلة في إيران ممنوعة منذ عقود.  

المحادثات والاتصالات الجارية بين بعض دول المنطقة المتنازعة منذ سنوات، والتي فرضها تهور وجشع قادتها للسلطة المطلقة، قد تؤدي إلى تخفيف حدة التوتر في المستقبل القريب، وهذا جيد بحد ذاته. ولكن الطبيعة السلطوية لهذه الأنظمة وتاريخ سلوك قادتها، لا تبشر بتغيير إيجابي ولو محدود، وقطعا لا تبشر بشرق أوسط جديد، أو  بتحولات جذرية واعدة أو مستدامة.   

شاهد أيضاً

أمريكا والمسكوت عنه!

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– الدولة تتكون من شعب وسلطة وإقليم؛ ويكون الشعب فى أعلى …