الرئيسية / مقالات رأي / The independent: “الحرب مع فرنسا” انتهت ولا يستخف بالمناوشات المقبلة مع الاتحاد الأوروبي

The independent: “الحرب مع فرنسا” انتهت ولا يستخف بالمناوشات المقبلة مع الاتحاد الأوروبي

BY: Tom peck

الشرق اليوم- بعد قليل من فجر الخميس الماضي عند أسوار “حصن ريجنت” التاريخي في جزيرة “جيرسي”، أقدم أحد الأشخاص من جماعات هواة إعادة تمثيل المعارك، وقد اعتمر قبّعةً ثلاثية الزوايا، على إطلاق النار من بندقيةٍ قديمة نحو أحد سفن للبحرية الفرنسية، وأمام عدسات الكاميرات الإخبارية المتجمّعة في الموقع.

ما حصل شكل في الحقيقة نقطة البداية لـ”الحرب مع فرنسا” ونهايتها، وكذلك بلوغها الذروة ثمّ تلاشيها. وكانت وراء التوجه إليها أسباب عدة، تفوق أسباب “الحرب مع إسبانيا”. وإذا كنتم تذكرون، فقد أعلن الأخيرة مايكل هوارد [سياسي بريطاني من حزب المحافظين] عن طريق الخطأ من كنف منزله، خلال مقابلة تلفزيونية صباح يوم الأحد الماضي مع شبكة “سكاي نيوز”. وكما فُهم عموماً قبيل توقّف تلك المقابلة كي تُبثّ الإعلانات، فأن السلام قد استتب مجدداً بين البلدين.  

وفي الواقع، سبق لبيتر كوك [ممثل بريطاني ساخر] القول بإن بريطانيا “ستغرق يوماً ما في البحر وهي تضحك”، وربما كان يعيد صياغة العبارة الشهيرة للروائي الشهير جورج أورويل من قبله، الذي وصف المملكة المتحدة بأنها دولةٌ “تحكمها إلى حدٍّ كبير طبقةٌ سياسية هرمة وتافهة”.

ربّما شكل عرض “الحرب مع فرنسا” مادة ترفيهٍ ممتعة بما يكفي. ففي ذلك الإطار، شكّلت بعض المواقع الإلكترونية التابعة لمجموعة من شركات الشحن، منصةً مثالية للأفراد الراغبين بتتبع مسارات تنقل السفن البحرية البريطانية والفرنسية، التي توجهت إلى جزيرة “جيرسي” على أثر تجمهر بعض زوارق الصيّادين الفرنسيّين احتجاجاً على ما اعتبروه تغييراً غير عادلٍ للقواعد المتعلّقة بحقوقهم في صيد الأسماك في المياه البحرية المحيطة بالجزيرة.

هل كانت التغييرات في قواعد الصيد طفيفة؟ هل تجاوز المحتجّون الفرنسيّون حدودهم في التصرّف؟ هل حُقّ لبريطانيا أن تسعى إلى كسر الحصار الواضح لهؤلاء عبر التهديد الذي أوحت به من خلال نشر قطعٍ بحرية تابعة لها، حتى لو لم تعتزم استخدامها أبداً؟ هل كانت فرنسا جادّة في تهديداتها التي لوّحت بها وأفادت فيها بأنها ستردّ على أيّ خطوةٍ من جانب المملكة المتّحدة، بقطع الكهرباء عن الجزيرة بأكملها؟ هل تستطيع جيرسي فعلاً ضمان كفاية حاجتها من الطاقة الكهربائية لو أن فرنسا نفّذت تهديداتها؟ هل منح اتّفاق الانسحاب البريطاني من الاتّحاد الأوروبي فرنسا سبباً للردّ بهذه الطريقة؟ من يقرّر في ذلك؟ كم من الوقت سيستغرق التوصّل إلى مثل هذا القرار؟ ما الجدوى من اتفاق الانسحاب إذا كانت آليّات التحكيم الخاصّة به قد استغرقت وقتاً طويلاً للتحكيم بما يجعل أيّ نوع من الانتقام المشروع مسألةً عديمة الجدوى؟ وفي أي حال، ألم تكن جيرسي تُعدّ خارج نطاق الاتحاد الأوروبي؟يشكّل ما تقدّم نموذجاً من أسئلةٍ كثيرة مطروحة، لم يكن يخطر في بال أحدٍ أنه سيُضطر إلى التفكير فيها، إلا في الآونة الأخيرة. ولم تكن بوادر المشكلة ظاهرةً إلا بعد تصدّر مسألة الصيد البحري جدول المفاوضات، أو ما عُرف آنذاك بقضية “انتصار الأسماك” The Triumph of The Fish، التي تكشّفت في مرحلة ما من نهاية العام الماضي، عندما أُحيلتْ جميع القضايا المتعلّقة بالاقتصاد إلى الدرجة الثانية من حيث الأولوية على طاولة البحث، وذلك من أجل صناعةٍ تبلغ قيمتها الإجمالية أقلّ من قطاع التأمين على الحيوانات الأليفة.

مع ذلك، فإن عرض القوة في ما سُمّي “الحرب مع فرنسا”، بات لبعض الوقت الشغل الشاغل للناس، حتى صحيفة “ديلي تيلغراف” التي انتهزت الفرصة كي تعاود التذكير بأنّه حتى النازيّين أبقوا على الكهرباء في “جيرسي”. ويبقى الاحتلال النازي للجزيرة موضوعاً صعباً. فقبل نحو عامين فقط ، عُثِر على مزيدٍ من المقابر الجماعية هناك. وقد يكون وجود ما يشبه معسكرات اعتقال على الأراضي البريطانية مسألةً شديدة الحساسية، لكن يبدو أنه لم يشكّل بالضرورة حدثاً بارزاً بما فيه الكفاية، في مقابل بعضٍ من الشوفينية (الغلو في الوطنية) البرّاقة، التي أشعلها رجلٌ غريب الأطوار يعتمر قبّعةً شديدة الغرابة ويحمل بندقيةً حقيقية.

بطبيعة الحال، لا تستطيع صحف الـ”تابلويد” الشعبية أن تكتفي من الموضوع. إذ تمثّلت مسألة “الحرب مع إسبانيا” التي نعود إلى ذكرها مرّةً أخرى، في جملةٍ واحدة أطلقها عشوائياً زعيم سابقٌ في حزب المحافظين خلال مقابلةٍ تلفزيونية، لكنها كانت كافية في الأقل كي تحتلّ صفحةً أولى في جريدة “صن” التي عرضت صور حركةٍ مشبوهة لما بدا أنها سفنٌ حربية إسبانية تمركزت قبالة ساحل جبل طارق.

هل يغير ذلك في الأمر شيئاً؟ في الواقع، المشكلة مردها إلى أن ما يحدث لم يعد بمثابة بدعةٍ عابرة، أليس كذلك؟ ولم يعد كذلك ضرباً من الجنون. واستطراداً، إن ما يترتب بالضرورة على رأي رئيس وزراء هزلي هو تحول البلد كله إلى نكتة [مهزلة من سدة الهرم إلى أسفله]. كل شيء يمكن اختزاله وتبريره بأنه مجرّد ضرب من الهزل.

في المقابل، ليست الدعابة أمراً مضحكاً دائماً. إن القرار بإعادة تنظيم المصالح البريطانية وإخراجها من دائرة التسوية، ووضعها، سواءٌ على نحوٍ تلقائي أو متعمّد، في مواجهة اتّحاد ضخمٍ وقوي للغاية يضمّ تحت مظلّته جميع البلدان المحيطة بنا، لم يخلُ في الواقع من عواقب.

لقد أثار الاتحاد الأوروبي موجةً من الفوضى عبر سياسته في تأمين اللقاحات المضادة لفيروس كورونا وتقديمها لمواطنيه. ولم تفعل المملكة المتحدة ذلك. وتالياً، جاء رد الاتحاد الأوروبي، على رغم التراجع الأخير الذي أبداه، حظراً على صادرات اللقاح إلى المملكة المتحدة، الأمر الذي أدّى بالنتيجة إلى فرض الأخيرة قيوداً تجارية من جانبٍ واحد على حركة السلع عبر الحدود البرية مع إيرلندا.

ومن البديهي أن هذه المسألة أثارت قبل بضعة أشهر جدلاً محموماً. إذ جاء سلوك الاتحاد الأوروبي مشيناً. وكان خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي عظيماً. وعلى الرغم من أن سلوك الاتحاد الأوروبي في بعض نواحيه، بدا شنيعاً بالفعل، إلا إنه لم يعتبر على الإطلاق شائناً بالنسبة إلى دولةٍ أو اتّحاد دول، تعمل على حماية مصالحها.

وقبل خمسة أعوام، شكّل “البقاء المتردّد” للملكة المتّحدة في الاتّحاد الأوروبي، شيئاً فعليّاً. والواقع أن الفكرة القائلة بأنه على الرغم من الجاذبية الرومانسية المتعجرفة الواضحة لأن نتولّى أمورنا بمفردنا، فإنه فيما تنحصر الجوانب السلبية لكل دولةٍ في أوروبا ضمن اتّحاد واحد، أصبح الوضع على نقيض ذلك بالنسبة إلينا، لأن المشاكل ستكون هائلة للغاية. ومثلاً، سيكون من المستحيل من الناحية القانونية أن يفرض الاتّحاد الأوروبي حظر التصدير على أحد أعضائه.

لحسن الحظ أن “الحرب مع فرنسا” قد انتهت، واستكانت في المقابل عاصفة اللقاح. في المقابل، من البديهي أن يبقى بعض تأثيراتها المزعجة مستمرّاً في أشكالٍ مختلفة على غرار حدوث بعض المناوشات الديبلوماسية في الكواليس. أما في إيرلندا الشمالية، فيبدو أن الأمور تأخذ منحى تصعيدياً، ولكن لا يدري أحد بعد إلى أيّ مستوى ستصل إليه.

في الخلاصة، لا يمكن اعتبار كلّ شيء مجرد ضربٍ من الهزل الخفيف، كأن يقوم رجل معتوه باستخدام بندقيته وإطلاق النار عند بزوغ الفجر. فعندما تغرق بريطانيا في البحر، لن يكون ضحكها مجلجلاً فعلاً.

شاهد أيضاً

أمريكا والمسكوت عنه!

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– الدولة تتكون من شعب وسلطة وإقليم؛ ويكون الشعب فى أعلى …