افتتاحية صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – تعاني منطقة الساحل الإفريقي، وخصوصاً مالي والنيجر ونيجيريا وتشاد وبوركينا فاسو تخمة في الأزمات الأمنية والإقتصادية والسياسية، تكاد تقضي على مؤسساتها وتطيح بأمنها الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، ويهدد بوقوع بعض هذه الدول في أيدي الإرهاب، ما يضع مجمل القارة الإفريقية على المحك، خصوصاً لجهة تعاظم نشاط الجماعات الإرهابية مثل «داعش» و«بوكو حرام»، و«القاعدة»، و«تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى»، و«جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، و«حركة أنصار الدين»، وكلها منظمات تعود في مرجعياتها إلى تنظيم القاعدة الإرهابي، أو انسلخت عنه، وهدفها القضاء على الدول الوطنية القائمة في المنطقة، وتدمير مؤسساتها، وخصوصاً الأمنية، وإقامة نظم إسلامية متطرفة بديلة.
ويلاحظ، أن هذه المنظمات تتمدد من أقصى الساحل الغربي للقارة الإفريقية إلى أقصى الساحل الإفريقي الشرقي، وتتركز معظم هجماتها على المدنيين والمدارس لاختطاف الطلاب والطالبات والحصول على فدية مالية لتمويل عملياتها وتوفير أموال لعناصرها، وقد نجحت في الكثير من عمليات الاختطاف في الحصول على ملايين الدولارات، خصوصاً من الدول الأجنبية التي تعرض عدد من رعاياها للاختطاف. كما تمكنت هذه المنظمات خلال السنوات القليلة الماضية من تحقيق هجمات ناجحة والاستيلاء على مساحات شاسعة في منطقة الصحراء.
لقد ساعد العديد من العوامل في انتشار هذه التنظيمات، منها تردي الأوضاع المعيشية والاجتماعية في العديد من دول الساحل، والتدخلات الأجنبية، والاحتكاك بمجموعات إرهابية أخرى في الخارج، علاوة على الحدود المفتوحة وسهولة الانتقال فيها من بلد إلى آخر عبر صحراء شاسعة صعبة التضاريس، والمشاكل العرقية والقبلية التي تشجع على إفراز مثل هذه التنظيمات.
وقد شكل سقوط نظام معمر القذافي، عاملاً إضافياً في تعزيز قدرات هذه التنظيمات التي تمكنت من الاستحواذ على أطنان من الأسلحة المختلفة من المخازن التي تم تهريبها عبر الحدود.
جراء ذلك تحولت دول الساحل إلى بؤرة عدم استقرار، وإلى مناطق نفوذ للجماعات الإرهابية وعصابات الإتجار في البشر التي تقوم بشحن مئات الآلاف من دول إفريقية عدة إلى السواحل الأوروبية الجنوبية عبر ليبيا تحديداً، نظراً لهشاشة الأوضاع الأمنية فيها، وتعاون الميليشيات في ذلك. حيث شهدت السنوات القليلة الماضية العديد من المآسي المروعة جراء غرق الآلاف في البحر المتوسط خلال نقلهم بقوارب مهترئة.
الممثل الأعلى للمفوضية الأوروبية جوزيب بوريل، حذر من أن منطقة الساحل الإفريقي «تواجه إحدى أكبر الأزمات الأمنية في العالم، ويجب أن نزيد وجودنا في هذه المنطقة، نظراً لأهميتها وحيويتها للأمن الأوروبي».
هناك مخاوف حقيقية من أن تتسع بقعة الزيت بما يتعدى منطقة الساحل، إلى بقية القارة، بل إلى ما يتعداها باتجاه أوروبا، خصوصاً أن البحر الأبيض المتوسط تحول إلى مساحة مفتوحة للمهاجرين والإرهابيين معاً.