بقلم: باسكال بونيفاس – صحيفة “الاتحاد”
الشرق اليوم – أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن أن الانسحاب الأميركي من أفغانستان سيتم بحلول 11 سبتمبر 2021، وهو تاريخ له دلالة رمزية بالطبع. وكانت الولايات المتحدة قد تدخلت في أفغانستان اعتباراً من شهر أكتوبر كرد فعل على هجمات الحادي عشر من سبتمبر، بعد أن رفضت «طالبان» التي كانت في الحكم في كابول تسليمها زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن. واعتُبرت هذه الحرب قانونية (على أساس مبدأ الدفاع الشرعي) وشرعية.
وهكذا يُغلق بايدن حربا دامت 20 عاماً، وهي الحرب الأطول على الإطلاق التي خاضتها الولايات المتحدة في تاريخها. ولكنها حرب لم تنتهِ بنصر، فالواقع بعيد كل البعد عن ذلك. ولكن التدخل كان يمكن أن يستمر عشر سنوات إضافية، ولم يكن ذلك ليغيّر شيئا على الأرض، باستثناء عدد الضحايا الإضافيين الذين كان سيزداد. إنها هزيمة استراتيجية للولايات المتحدة، بل فشل ذريع. كما أنها هزيمة لمنظمة حلف شمال الأطلسي، «الناتو»، الأولى لها في الوقت الذي نتحدث فيه من جديد عن توسيع لمهامها خارج أوروبا. والأرجح الآن هو أن «طالبان» لن تتأخر في العودة إلى السلطة عندما يستكمل الانسحاب الأميركي. ولكن، كيف يمكن تفسير أن «القوة العظمى» الأميركية لم تعرف كيف تنتصر على بلد بهذا المستوى من الفقر وانعدام التنمية؟ في أوج الوجود الأميركي، كان هناك 150 ألف جندي أُرسلوا إلى أفغانستان. وعلاوة على ذلك، فإن كلفة الحرب تمثّل 1500 مليار دولار، وهو رقم أقل بقليل من الناتج المحلي الخام الحالي لبلد مثل روسيا أو ما يعادل 75 عاماً من الناتج المحلي الخام الحالي لأفغانستان.
الولايات المتحدة ستواصل منح الجيش الأفغاني مساعدة تبلغ 4.5 مليار دولار سنوياً، أي ما يعادل ربع الناتج المحلي الخام للبلاد أو ضعف المساعدة العامة للتنمية على الصعيد العالمي 30 مرة. هذا مع العلم أن المصدر الآخر للعائدات بالنسبة لأفغانستان هو تجارة الأفيون. وبدون الحديث عن عدد الضحايا القتلى أو المصابين، وبعد عشرين عاما على بداية التدخل الأميركي، باتت «طالبان» على أبواب السلطة من جديد؛ ثم إنه لم يكن هناك «بناء الدولة» في أفغانستان.
وبالتالي، فمما لا شك فيه أن رحيل الجيش الأميركي لن يؤدي إلى إخلاء مذلّ مثل ذاك الذي وقع في السفارة الأميركية في سايجون في 1975؛ كما أن تأثير هذه الحرب على الأميركيين كان أقل على اعتبار أنها خيضت من قبل عسكريين مهنيين، وليس من قبل مجندين أُرسلوا إلى هناك ضد رغبتهم. غير أنها بدون شك ستترك ندوباً وآثاراً عميقة.
الأخطاء العسكرية، التغاضي عن الفساد، الاتفاقات المبرمة مع زعماء حرب ذوي سلوك منفر مثل «طالبان»، وعلى الخصوص، الجهل العميق بالبلاد، ولكن أولاً وقبل كل شيء، محاولة تطبيق مخططات غربية على مجتمع مختلف تماماً هي التي تفسر هذا الإخفاق. ذلك أن الأميركيين كانوا مقتنعين بأنهم سينجحون بسهولة حيث فشل السوفييت في زمنهم.
ولكن لا شيء من ذلك حدث بالطبع؛ والنتيجة هي أن أفغانستان في حالة حرب منذ 42 عاماً. ولا شك أن واشنطن تستطيع عقد اتفاق مع «طالبان» من أجل ألا تقوم بدعم الإرهاب الدولي. غير أنها إذا كانت قد قضت على بن لادن، فإن «القاعدة» لم تفكك بعد و«داعش» بات موجوداً ونشطاً في أفغانستان.
وعليه، ينبغي على الغربيين أن يفكروا في عواقب عملياتهم العسكرية الخارجية. فتفوقهم التكنولوجي الكبير لا يؤدي بالضرورة إلى نصر عسكري، ناهيك عن إقامة حل سياسي. فشل في أفغانستان علماً أن الحرب كانت مبررة في البداية، خلافاً لحرب العراق في 2003؛ وفشل كارثي في العراق؛ وفشل في ليبيا، على الرغم من التسويغ القانوني للقرار 1973، بعد أن تغير هدف المهمة في الأثناء من مسؤولية الحماية إلى تغيير النظام… والواقع أن هذا التدخل في ليبيا يُعد مسؤولا إلى حد كبير عن زعزعة الاستقرار في مالي وكل منطقة الساحل. فهناك، شكّل التدخل الفرنسي في 2013 نجاحا في البداية، ولكن منذ ذلك التاريخ يلاحَظ أن الوضع هناك بات أشبه بمن تورط داخل مستنقع، وهو ما يثير أسئلة بشكل متزايد: فلكم من الوقت ستستطيع فرنسا الإبقاء على وجود عسكري في «منطقة الساحل» الأفريقية؟ وهل هناك بوادر انتصار في الأفق أم هل الأمر يتعلق بحرب أخرى؟