بقلم: د. أحمد يوسف أحمد – صحيفة الاتحاد
الشرق اليوم- منذ الخطوات الأولى لعملية التسوية الراهنة في ليبيا، كان ثمة إجماع بين المحللين الموضوعيين على أن الخطر الأول على خطة التسوية هو استمرار وجود القوات الأجنبية والمرتزقة وانفلات الميليشيات على الأرض الليبي.
صحيح أنه كان هناك بعض نقاط الغموض في خريطة الطريق الأممية، لكن التوجه العام في التعامل معها انطلق من التفاؤل بالرهان على الفرقاء الليبيين وإرادتهم الموحدة للخروج من حالة الصراع القائمة، وهم أول ضحاياها، لكن القلق الحقيقي نبع من أن تنفيذ هذه الخريطة في ظل وجود قوات أجنبية ومرتزقة لا يمكن أن يأتي بخير، فالثقل الأكبر لهذه القوات والمرتزقة يميل لصالح طرف بعينه، وهو ما يعني أن مصير الانتخابات المقرر لها ديسمبر القادم سوف يكون مهدداً، ما لم تأت نتيجتها لمصلحة هذا الطرف. وقد كشفت مقالة الأسبوع الماضي عن الانزعاج الشديد الذي أصاب دوائر ليبية بعينها، عندما تحدثت وزيرة الخارجية الليبية عن مساعيها لفتح حوار مع تركيا لتحقيق انسحاب قواتها من ليبيا، مع أن الوزيرة وضعت الأمر في سياق الحوار وليس إلغاء الاتفاق غير الشرعي الذي أتى بهذه القوات، وفي الأيام القليلة الماضية تجددت المؤشرات على نحو غير مباشر على التداعيات السلبية، التي يمكن أن يسببها وجود القوات الأجنبية والميليشيات والمرتزقة على مسار التسوية.
ففي 26 أبريل المنصرم، أعلن الناطق باسم الحكومة الليبية تأجيل زيارة رئيسها لبنغازي، على أن يتم التحضير لها في موعد لاحق. وفي البداية قيل إن السبب كان خلافات بروتوكولية ولكن سرعان ما اتضح أنه أخطر من ذلك، فوفقاً لمصادر في شرق ليبيا كان المفترض أن تحمل طائرة قادمة من طرابلس عناصر من جهاز المراسم والتشريفات وعاملين في ديوان رئيس الوزراء، ثم تبين بعد وصولها أن على متنها 87 عنصراً من ميليشيات الغرب التي كانت تخضع لحكومة السراج، أغلبهم مسلحون رفضوا الكشف عن وثائقهم الثبوتية والتخلي عن أسلحتهم، والسماح لأمن المطار بتفتيش حقائبهم، وطلبوا تمكينهم من استلام قاعة كبار الزوار ليشرفوا على استقبال الوفد الحكومي وهو ما قوبل بالرفض، واعتبرت سلطات المطار ذلك استفزازاً، وأعادت الطائرة بمن فيها لطرابلس، وأوضحت هذه المصادر أن المسلحين ينتمون لإحدى الميليشيات التي كانت متحالفة مع السراج، ولست في موقع يمكنني من الحكم على دقة هذه الروايات. لكن المؤكد صحة ما ذكرته تلك المصادر من أن المنطقة الشرقية سبق لها أن استقبلت رئيس المجلس الرئاسي ورئيس الحكومة ومساعديه وأغلب أعضاء الحكومة دون أي مشاكل، أو الحاجة لمسلحين من غرب ليبيا لحمايتهم، أما الأمر الذي يرقى فوق أي شك، فهو أن الواقعة تشير إلى استمرار فقدان الثقة بين طرفي الصراع المسلحَين.
وبعد ثلاثة أيام جرت واقعة أخرى أكثر غموضاً، تتعلق بما أعلنه رئيس الحكومة من أن مرتزقة أجانب منعوه من الهبوط في مطار سرت، وقال إنهم طلبوا منه القدوم لسرت براً! وكأن الهدف هو تأكيد سيطرتهم على المطار وليس منع رئيس الحكومة من دخول المدينة، وثمة أكثر من دلالة خطيرة لهذه التطورات، أهمها أن الثقة مازالت مفقودة بين طرفي الصراع الرئيسيين. والثانية أن الميليشيات مازالت تلعب دوراً فاعلاً يلفت إلى أهمية التحييد التام لدورها السياسي، خاصة أن الجانب الأكبر منها يدين بالولاء لقوات خارجية، والثالثة أن ثمة مخاطر حقيقية تحيط بمستقبل التسوية إذا استمر وجود القوات الأجنبية والمرتزقة الذين جلبتهم. والغريب أن هذا ما طالبت به (لجنة 5+5) في اجتماعها الأخير، وأجمعت عليه الإرادة الدولية في مجلس الأمن، فمتى يتحرك المجتمع الدولي لوضع حدٍ لهذه المهزلة؟