الرئيسية / مقالات رأي / ثمن عسكرة الدبلوماسية

ثمن عسكرة الدبلوماسية

افتتاحية صحيفة “الخليج” 

الشرق اليوم – عندما تفقد الدبلوماسية دورها في تحديد سياسة الدولة لمصلحة المؤسسة العسكرية، فهذا معناه التخلّي عن «القوة الناعمة»، واستبدال «القوة الخشنة» بها، أي أن علاقاتها الدولية باتت محكومة بمبدأ القوة، ما يفرض زيادة في الموازنات العسكرية على حساب تعزيز العلاقات الدولية من منطلق التعاون والشراكة.

إن إعطاء مبدأ القوة الأولوية في استراتيجيات الدول على حساب الدبلوماسية، يعني توظيف القوة لتحقيق أهداف ومصالح قومية في الصراع الدولي.

والنزوع إلى القوة كمبدأ يحكم العلاقات الدولية بدلاً من الحوار والمفاوضات وصولاً إلى قواسم مشتركة مع الآخرين، سوف يدفع باتجاه المزيد من الإنفاق العسكري، والدخول بالتالي في سباق تسلح مع الدول الأخرى، أو البحث الدائم عن عدو.

وتشكل الولايات المتحدة النموذج الأبرز للدولة التي ترى في القوة السبيل الوحيد للسيطرة والهيمنة، وردع الآخرين الذين يزاحمونها على قيادة النظام الدولي، لذلك هي الدولة الأكثر إنفاقاً على التسلح، وميزانيتها العسكرية هي الأكبر بين دول العالم.

إن معظم الأمريكيين يعرفون، على الأرجح، أن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، تنفق الكثير من المال، لكن من المستبعد أن يعرفوا ضخامة هذه المبالغ، ومن هو المستفيد منها، ولماذا يتم رصدها، رغم أن الإنفاق العسكري الهائل يتم من جيوب دافع الضرائب الأمريكي، وعلى حساب تخفيض ميزانيات الخدمات الاجتماعية والصحية والبنى التحتية التي يحتاج إليها ملايين الأمريكيين.

الباحث بن فريمان، الذي يعمل لدى «مركز السياسة الدولية»، وهو مركز أبحاث واستشارات سياسية في واشنطن، أشار إلى أن زيادة سنوية بحدود 80 مليار دولار في ميزانية «البنتاجون» بين 2017 و2020 ستكون ضعف الميزانية الحالية لوزارة الخارجية، وأكبر من الناتج الإجمالي لأكثر من 100 بلد في العالم. وإن ما يتم إنفاقه على الجيش الأمريكي أكثر مما تنفقه الدول الخمس عشرة الأكبر التي تلي الولايات المتحدة من حيث الإنفاق العسكري مجتمعة. وهذا معناه أن الإدارات الأمريكية تعطي الأولوية للقوة، وليس للسياسة أو الدبلوماسية في علاقاتها الدولية.

إن الزيادات الهائلة في ميزانية الدفاع الأمريكية هدفها الأساسي خدمة المجمع الصناعي العسكري الذي يتحكم في السياسة، ويجعلها طوع بنانه، وهو ما حذّر منه الرئيس الأمريكي الأسبق، دوايت إيزنهاور، عندما أعرب عن قلقه من حجم المؤسسة العسكرية، ومن المجازفة في تحويل الاقتصاد إلى تابع للمؤسسة العسكرية.

كما أن الكاتب والمؤرخ الأمريكي، بول كيندي، نصح بلاده أن تعمل على كبح إنفاقها العسكري وحروبها الخارجية، وتزيد الإنفاق على القطاع المدني من أجل البقاء كقوة، أو تأجيل أفولها أمام القوى العالمية الصاعدة الأخرى.

إن هذه الميزانيات العسكرية الهائلة، والأسلحة المتطورة، لم تحقق للولايات المتحدة ما تسعى إليه من هيمنة عالمية مطلقة، أو تفرد في قيادة النظام العالمي، كما أنها لم تحقق لها نصراً في أي من حروبها الممتدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …