بقلم: صالح البيضاني – العرب اللندنية
الشرق اليوم- يبدي الحوثيون إصرارا عنيدا على السيطرة على محافظة مأرب اليمنية قبل الذهاب إلى أيّ تسوية سياسية، على اعتبار أن هذه المحافظة ستكون مكافأة نهاية الانقلاب الذي يسعى الحوثيون لشرعنته عبر حوار شكلي لا ينوون تقديم أيّ تنازلات خلاله، بقدر رغبتهم في تعزيز مكاسبهم العسكرية التي حققوها في السنوات الماضية بمكاسب سياسية تزيح عن كاهلهم ضغط التصنيف الدولي لهم كميليشيات مسلحة انقلبت على الدولة.
ولا يحتاج المتابع للشأن اليمني للبحث طويلا عن أسباب استماتة الحوثي في السيطرة على مأرب، فالشواهد كثيرة على هذا الحرص الذي يحمل في طياته أبعادا عديدة منها الاستراتيجي والاقتصادي والسياسي وحتى الثقافي والتاريخي.
ولم يخف الحوثيون أنفسهم بعض جوانب حربهم التي توصف بالانتحارية على مأرب والتي يضحّون فيها بالمئات من مقاتليهم، حيث كشف القائد العسكري للجماعة أبوعلي الحاكم في إحدى كلماته أمام حشد من قادة جماعته عن هدف خطير لهذا الهجوم لم يشر فيه لأهمية مأرب الاقتصادية كمصدر للنفط والغاز والطاقة بل تحدث عن أهمية مأرب الاستراتيجية والتاريخية في الصراع اليمني، ملمّحا إلى أن جسد الانقلاب لن يلتئم ويتعافى إلا بإسقاط هذه المحافظة اليمنية التي مثلت رأس الحربة في الحرب، إضافة إلى ما مثلته من عقدة مزمنة للميليشيات الحوثية التي فشلت في اجتياح مأرب منذ بداية الانقلاب.
وفي سبيل تحقيق هدفهم النهائي الذي أبلغوا المجتمع الدولي والأمم المتحدة صراحة أن تحقيقه هو السبيل الوحيد للانخراط في أيّ مشاورات سياسية قادمة حول الحل النهائي للأزمة اليمنية، حشد الحوثيون قوّتهم الضاربة على أطراف مأرب من أربع جهات، وأرسلوا التعزيزات تلو التعزيزات، متجاهلين خسائرهم البشرية والمادية وعينهم على سقوط خطوط الدفاع عن المدينة تحت وقع الاستنزاف الممنهج، في تكتيك خطير قد يحقّق بعض غاياته على المدى المتوسط والبعيد في حال لم تتخذ الشرعية قرارات سريعة وحاسمة لإعادة التوازن العسكري.
وقد تكون الخطوة التي أعلن عنها محافظ مأرب سلطان العرادة والتي تضمنت الدعوة للتعبئة العامة خطوة في الاتجاه الصحيح حتى وإن تأخّرت كثيرا، لكنها ليست كافية لمواجهة الطموحات الحوثية، ووقف كرة اللهب التي تهاجم آخر أهم معاقل الشرعية.
ويتطلب تعزيز صمود مأرب دعما سريعا عبر مسارين، الأول سياسي من خلال توجيه رسالة للمجتمع الدولي بأن فشله في وقف هذا الهجوم سينسحب على خطوطه الحمراء التي حالت دون تحرير الحديدة وأنّ استمرار تجاهل الحوثي لكل المواقف الأممية والدولية التي تطالبه بوقف هجومه على مأرب لن يقابل بتشبّث الشرعية باتفاق السويد وما يمنحه هذا الاتفاق من مكاسب حوثية غير مستحقة من أسوأ مظاهرها تمكينه من استكمال مشروعه العسكري في مأرب مستفيدا من الهدنة الهشة في الحديدة.
أما المسار الثاني وهو الأهم فيتمثل في ضرورة تعزيز جبهات مأرب بقوات عسكرية حقيقية من المناطق العسكرية الخاملة، كما هو الحال – على سبيل المثال – في المنطقة العسكرية الأولى بوادي حضرموت والتي تضم أكثر من خمسة ألوية عسكرية ميكا ومدرع لم تخض معركة واحدة منذ بداية الحرب ومازالت تحتفظ بكامل قوتها ولياقتها العسكرية وهذه القوات قد تكون الوحيدة القادرة على تغيير مسار المعركة في مأرب وقلب موازين القوة في حال صدقت النوايا واختفت الحسابات السياسية.
في الواقع فإن كثيرا من تلك الحسابات السياسية الضيقة التي تحول دون تعزيز مأرب عسكريا وتفسر تجاهل المخاطر التي تحدق بالمحافظة، هي حسابات مبنية على اعتقادات خاطئة مدعومة بالأحقاد الشخصية والتباينات الأيديولوجية التي أفشلت مشروع استكمال تحرير اليمن من قبضة الميليشيات الحوثية، وتسببت كذلك في خسارة القسم الأكبر من المكاسب العسكرية والسياسية التي حققتها الشرعية في بداية الحرب، ومن أبرز تلك الخسائر التي يدفع اليمنيون ثمنها اليوم، سقوط مناطق ومحافظات محررة مثل نهم والجوف ومناطق من البيضاء، الأمر الذي أظهر الحوثيين في موقف القوة في توقيت بالغ الحساسية تصاعدت فيه الضغوط الدولية لوقف الحرب وإنهاء الصراع.
ويدرك الحوثي أنه بالسيطرة التي لم تتحقق بعد على مأرب سيتمكّن من تغيير المعادلة بشكل كامل ليس معادلة الحرب والسلام والتسوية اليمنية، بل حتى المعادلة داخل صفوف الشرعية ذاتها، من ناحية تصوير الصراع في شكله النهائي بأنه صراع جنوبي – شمالي، عبر إعادة تقسيم خارطة النفوذ على الأرض، كما سيضع علامة استفهام كبيرة حول مشروعية المكوّنات والقوى الشمالية التي لم يعد لديها موطئ قدم على الأرض للعب دور عسكري في مواجهة الانقلاب، وبالتالي نقل الصراع بين الأطراف والمكونات المناهضة للانقلاب إلى الجنوب، واستثمار حالة الحساسية، بل والتباين، التي ظهرت بعض صورها في المواجهات بين بعض “الشرعية” والمجلس الانتقالي الجنوبي في وقت سابق.
ولا يبدو أن الحوثيين سيتوقّفون في حال السيطرة على مأرب عند حدود ما قبل 1990 وإن كانت أولويتهم بعد مأرب ستكون على الأرجح السيطرة السريعة على تعز قبل استكمال معركة الحديدة وحشد كل قواتهم لحسمها، ومن ثم استهداف محافظة “شبوة” تحت ذريعة ملاحقة حزب الإصلاح، ومحاولة مقايضة الجنوبيين بين أرضهم وبين اتخاذهم موقف أكثر حدية تجاه الشرعية والإخوان. ومن يتأمل في حالة التناقض بين مواقف الحوثيين السياسية وتحرّكاتهم على الأرض يدرك حقيقة أن موقفهم من “القضية الجنوبية” لا يختلف عن موقف معظم القوى والمكونات الشمالية الأخرى، غير أن الحوثيين أكثر ميلا للخداع السياسي وعدم الإفصاح عن مواقفهم إلا عندما يتطلب الأمر ذلك.
وقد استطاع الحوثي أن يلعب بهذه الورقة قبل تمكّنه من السيطرة على مؤسسات الدولية اليمنية في سبتمبر 2014 حيث كان طوال سنوات يتحدث عن المظلومية الجنوبية وعن حق الجنوبيين في تقرير مصيرهم، لكنه في مارس 2015 قام باجتياح المحافظات الجنوبية رافعا شعار “الوحدة أو الموت” بشكل أكثر فظاظة وعنفا.