الرئيسية / مقالات رأي / كيف تغيّرت أمريكا منذ مقتل أسامة بن لادن؟

كيف تغيّرت أمريكا منذ مقتل أسامة بن لادن؟

بقلم: هشام ملحم – النهار العربي

الشرق اليوم- في مثل هذا اليوم قبل عشر سنوات، انطلقت طائرات مروحية متقدمة من أفغانستان وهي تحمل فريقاً من القوات الأميركية الخاصة التابعة لسلاح البحرية، وحلّقت في الليل على علو منخفض لأكثر من 160 ميلاً في عمق باكستان، واقتحمت المقر السري لزعيم “القاعدة” أسامة بن لادن وقتلته، في عملية خاطفة ومفاجئة عكست درجة متقدمة للغاية من القدرات الاستخباراتية والمهارة العسكرية، ومثلت انتصاراً رائعاً في حرب طويلة قلّت فيها مثل هذه الانتصارات. آنذاك، لم يعلم أحد، لا الرئيس باراك أوباما الذي أمر بتنفيذ العملية، ولا قائد الفريق الخاص الأميرال وليام ماكريفن الذي قاد الهجوم، أن مقتل بن لادن، الذي أمر بهجمات أيلول (سبتمبر) 2001 الإرهابية، لن يكون الانتصار الذي سيكون بداية النهاية لحرب أفغانستان. هذا الموعد جاء بعد عشر سنوات، حين أعلن الرئيس بايدن – الذي تحفظ كنائب للرئيس أوباما على الهجوم – أنه سينهي أطول حرب في تاريخ الولايات المتحدة مع حلول الذكرى العشرين لهجمات أيلول أو قبله. 

تغييرات كثيرة طرأت على الحرب الأميركية ضد الإرهاب خلال العقد الماضي، وكيفية تعامل ثلاثة رؤساء أميركيين مع هذا الخطر الخارجي الذي توحّد الأميركيون في مواجهته في منتصف العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. ولكن كيف وصلت الولايات المتحدة اليوم، أي بعد عشر سنوات من مقتل بن لادن، الى اعتبار الخطر الإرهابي الأبرز الذي تواجهه، هو خطر داخلي بامتياز؟ منذ 20 عاماً حفر إرهابيو “القاعدة” تاريخ 11 سبتمبر 2001 على الذاكرة الجماعية للأميركيين. بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة، حفر متطرفون أميركيون تاريخ 6 يناير 2021 على الذاكرة الجماعية للأميركيين حين اقتحموا مبنى الكابيتول، عقر الديموقراطية الأميركية، في محاولة لقلب نتائج انتخابات ديموقراطية بالقوة.

خلال العقد الماضي، طرأت تحولات هامة على طبيعة خطر “القاعدة” التي انتشر سرطانها في أماكن عديدة في العالمين العربي والإسلامي، وأقامت فروعاً لها تمتد من شبه الجزيرة العربية الى المغرب العربي ودول أخرى في أفريقيا. في منتصف العقد الماضي، برز خطر إرهابي أوسع مثّله تنظيم “داعش” الذي حقق انتصارات مفاجئة في 2014 حين احتل مناطق شاسعة في سوريا والعراق، بما فيها الموصل، ثاني أكبر المدن العراقية. الفظائع والقتل الجماعي الذي ارتكبه إرهابيو “داعش” زعزع منطقة جغرافية ظنت لفترة أنها “تأقلمت” بعض الشيء مع الخطر الإرهابي. وإذا كانت “القاعدة” تنظيماً إرهابياً قتل مئات المسلمين والعرب والأميركيين والأفارقة في أواخر القرن الماضي، وحوالي 3 آلاف أميركي في سبتمبر 2001، فإن “داعش” مثّل نقلة نوعية في القتل الجماعي، ليس فقط ضد أعدائها العرب والمسلمين، ولكن ضد فئات بكاملها مثل الأيزيديين في العراق والمسيحيين في المناطق التي احتلها التنظيم. إرهابيو “داعش” قتلوا الحاضر، وحاولوا قتل الماضي الحضاري العريق والسابق للحقبة الإسلامية في سوريا والعراق. التصدي لهذا الخطر تطلّب ائتلافاً دولياً وحرباً جوية قادتها الولايات المتحدة واستمرت لسنوات، شاركت فيها أسلحة جوية من بعض دول المنطقة ومن حلف الناتو ومن دول بعيدة عن المنطقة ولا تشارك عادة في نزاعاتها مثل أستراليا.

الحرب التي شنتها الولايات المتحدة ضد تنظيمي “القاعدة” و”داعش” في أفغانستان وسوريا والعراق لم تنته بانتصارات تقليدية، ولكنها حرمت التنظيمين من التحرك فوق أراض يسيطران عليها كلياً كما فعلا في السابق. عناصر التنظيمين تقوم الآن بالمشاركة في عمليات إرهابية محلية، ولكنها لا ترقى الى مستوى تهديد الولايات المتحدة كما حدث قبل عشرين سنة. وهذا ما تحدث عنه الرئيس بايدن خلال خطابه الأخير أمام الكونغرس حين شرح قراره حول سحب القوات الأميركية من أفغانستان وكيف تغيرت ضرورات الأمن الأميركي، “لقد تم قتل بن لادن، وتم إضعاف “القاعدة” كثيراً في العراق وأفغانستان، وانتشرت ظاهرة الإرهاب في العالم، بطريقة لا تتطلب مواجهتها بآلاف الجنود على الأرض في دولة واحدة، ولكن بتقنيات جديدة”، ولمواجهة تحديات جديدة، في عصر الذكاء الاصطناعي والأخطار الإلكترونية التي تمثلها دول منافسة أو عدائية من الصين وروسيا الى إيران وكوريا الشمالية.

في مثل هذا اليوم قبل 10 سنوات، رحّب جميع الأميركيين، بغضّ النظر عن خلفياتهم السياسية، بالتخلص من أسامة بن لادن، لأنهم كانوا متفقين على أن الخطر الإرهابي آت من الخارج. ولكن التغييرات السياسية والاجتماعية والثقافية التي شهدتها الولايات المتحدة في السنوات الماضية، وتحديداً خلال ولاية الرئيس السابق دونالد ترامب، عمّقت من حدّة الاستقطابات وشراستها في البلاد، وخلقت شريحة اجتماعية غاضبة ترى أن التغيير السياسي يمكن أن يتحقق بوسائل عنفية. وحتى قبل اجتياح مبنى الكابيتول، كان مدير مكتب التحقيقات الفدرالي (الأف بي آي) كرستوفر راي، يحذّر من خطر بعض الجماعات العنصرية والمتطرفة، والتي التفّت حول ترامب، وكيف أصبحت تشكل خطراً حقيقياً يهدد السلم الأهلي. 

في الشهر الماضي، وخلال شهادة له في الكونغرس، كرر كريستور راي قرع ناقوس الخطر الداخلي، حين قال إن “الأف بي آي” قد “رفع خطر عنف التطرف العنصري والإثني الى أعلى قائمة الأخطار التي تهددنا، ووضعناه بمستوى تطرف “داعش” وعنفه نفسيهما..”. الاختصاصيون والباحثون في تاريخ إرهاب “القاعدة” و”داعش” وكيفية تعبئة “الجهاديين” في صفوفهم، يقولون إن هناك تشابهاً كبيراً بين كيفية تعبئة المتطرفين للالتحاق بهذه التنظيمات الإسلامية العنيفة، وكيفية تعبئة وتجنيد العناصر المتطرفة والعنصرية والتي تنادي بتفوق العرق الأبيض في الولايات المتحدة.

 المسافة التي قطعتها أميركا منذ العقاب الذي ألحقته بأسامة بن لادن، وتاريخ اقتحام مبنى الكابيتول، هي عشر سنوات بالتاريخ التقليدي. ولكن إذا نظرنا اليها من منظور التحولات الاجتماعية والسياسية والأيديولوجية التي شهدها المجتمع الأميركي، فإنها تبدو وكأنها أبدية.   

شاهد أيضاً

أوكرانيا

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– فى العادة فإن الاستدلال عن سياسات إدارة جديدة يأتى من …