بقلم: عادل درويش – الشرق الأوسط
الشرق اليوم- رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، يواجه غيوماً في السماء السياسية تنذر بزوبعة ربما تقتلعه من زعامة الحزب ورئاسة الحكومة.
الصحافة كشرت عن أنيابها وبعضها أمسكت أسنانها بتلابيبه.
خصومه من داخل حزب المحافظين الحاكم (وليس فقط المعارضة) يسربون سيلاً من الاتهامات. الأسبوع بدأ بتساؤلات حول الجهة التي دفعت مصاريف تجديد ديكور وأثاث المسكن المخصص لإقامته في 10 دواننغ ستريت.
آخر الاتهامات أن رقم تليفونه الموبايل (المحمول) لم يغيره منذ أكثر من عقدين. خبراء الأمن الذين استضافتهم «بي بي سي» يؤكدون أن إمكانية أي شخص الاتصال بجونسون هو تهديد للأمن القومي، لكن فشلوا في إقناعنا كيف بالضبط؟
لكن غياب سكرتير (من السلك الوظيفي وليس من الحزب) يدون نص مكالمات رئيس الوزراء مع رجال أعمال وساسة، يخالف اللوائح، وجونسون متهم بتكرار تجاهلها.
هل أصبحت أيام جونسون كرئيس حكومة معدودة؟
حملة الصحافة المسترة ضده قد تقلل من حظ المحافظين في انتخابات المجالس البلدية التي تجري الخميس هذا الأسبوع؟
حل الدور على جونسون بعد نجاح مؤسسة اليسار الليبرالي في الإجهاز على فرصة دونالد ترمب في ولاية ثانية، كفصل جديد في الحرب الثقافية الدائرة في العالم الغربي الديمقراطي؟
حرب غير متكافئة: طرفها الأضعف الأغلبية الصامتة في المجتمع المستقر ومؤسساته التقليدية المحافظة بالقيم الليبرالية، كحرية الرأي والتعبير وتقديس الأسرة والنظام الملكي الدستوري البرلماني؛ الخصم الأقوى (الأقل عددياً لكنه يسيطر على مؤسسات التعبير وصناعة الرأي العام) هو اليسار الجديد الرديكالي المؤدلج بخليط من بقايا فلسفات القرن العشرين كالماركسية، والفرويدية، وما بعد التحديثية؛ والمستحدثة كالبيئية الانتقائية (فرض ضرائب على مواطني الغرب الرأسمالي لحماية البيئة واستثناء الصين)، ونظرية العنصرية النقدية، ودراسات تغيير الجنس البيولوجي، والنسوية الراديكالية، والـ«intersectionality» الإنترسيكشنالية (التقاطعية أو التداخلية الاجتماعية بإعادة تقسيم الطوائف عرقياً أو طبقياً أو جنسياً).
الحرب الشعواء التي تشنها الشبكات الإذاعية والتلفزيونية والصحافة (حتى بعض المحافظة كـ«الديلي ميل») على جونسون تدعونا للتساؤل: هل مؤسسة صناعة الرأي العام، (بصحافيين أغلبهم ليبراليون من الطبقات الميسورة محصورون في دائرة مغلقة على نفسها في العاصمة لندن) تعبر بالفعل عن اهتمامات الشعب؟
الاختلاف في نقاط الضعف ما بين الساكن السابق في البيت الأبيض وساكن «داوننغ ستريت» الحالي، ليس فقط لاختلاف النظام السياسي وعلاقته بالسلطة الرابعة، بل لاختلاف الشخصيتين.
ترمب كان موهوباً في خلق الأعداء، وسهل وقوعه في شراك تنصبها الصحافة التي تحالفت مع الدولة العميقة والمؤسسة الليبرالية العالمية ضده.
جونسون متماسك وسريع البديهة، لكن عليه استيعاب درس ترمب، فكثيرون ممن كانوا محايدين انضموا لأعدائه؛ أخطرهم صديق الأمس الذي انقلب خصماً «أدرى بالمضرة»: المستشار السياسي، دومنيك كمينغيز، الذي أقيل من «داوننغ ستريت»، وبدأ ينشر على مدونته ما يحرج رئيس الوزراء، ويضعه في موقع المساءلة البرلمانية.
كمينغيز نفسه سيمثل أمام لجنة الصحة والعلوم في مجلس العموم يوم 26 من الشهر الحالي بشأن أداء جونسون والحكومة في التعامل مع وباء «كوفيد – 19». جونسون متهم بالتراخي وتأجيل فرض إجراءات العزل الصحي الخريف الماضي، مما تسبب في وفاة الآلاف. «مصادر»، لا تفصح الصحافة عن هويتها، تدعي أن جونسون قال إنه «لا يكترث إذا تكدست الجثث في الشوارع مقابل إنقاذ الاقتصاد»؛ ويأمل الخصوم أن يشهد كمينغيز أمام اللجنة بذلك مناقضاً نفي جونسون.
«كعب أخيل» جونسون يكمن في تهاونه وتجاهله للوائح البيروقراطية كجزء من شخصيته الهزلية. لكن شخصيته المرحة تزيد من شعبيته؛ فأغلبية المواطنين تكره اللوائح والبيروقراطية وتسلط الحكومة؛ وأولوياتهم اليوم مكافحة الوباء وفتح الاقتصاد لمواجهة الكساد الذي تسببت فيه إجراءات الإغلاق.
وباستثناء اسكوتلندا (التي تجري فيها الانتخابات النيابية)، حيث يجد المحافظون أنفسهم في المركز الثالث بعد القوميين الاسكوتلنديين والعمال، فإن استطلاعات الرأي في مقاطعات إنجلترا تمنح المحافظين 44 في المائة، بينما العمال 33 في المائة، وهو أمر غير معتاد، خصوصاً أن المحافظين في الحكم.
الحوار بين المرشحين والناخبين يضع الصحافة في وادٍ والشعب في وادٍ آخر؛ فالأوليات محلية كإصلاح المطبات في الطرق، وتخفيض ضريبة البلدية، والتطلع إلى محاصرة الوباء، وفتح الأسواق والمتاجر لترويج الاقتصاد، وليس ديكور مسكن جونسون.
بريطانيا، بسياسة حكومة جونسون، تسبق أوروبا في حملة تطعيم الشعب ضد الوباء، مما يبشر بنجاح مكافحة الوباء، وبالتالي رواج الاقتصاد مبكراً وهو ما يطرب له الناخب، أي أن زعامة جونسون لا تزال مكسباً انتخابياً لا عبئاً على الحزب.
تحقيق مفوضية الانتخابات في مصاريف ديكور المسكن لا يضر مباشرة بجونسون؛ فصلاحيات المفوضية تنحصر في التحقيق مع الأحزاب والقوائم التي خاضت الانتخابات، وما إذا كانت استخدمت أموالها أو أموال الغير للتأثير على مجرى الانتخابات للحصول على مزايا أفضل من المنافسين؛ وليس من صلاحيتها التحقيق مع نواب منتخبين (كجونسون)، فهناك لجنة برلمانية مختصة بذلك.
إذا أدان تحقيق المفوضية حزب المحافظين، وانخفضت شعبية جونسون، قد يدبر النواب خطة لاستبداله بزعيم آخر.
عملياً، تجديد جونسون للمسكن لم يكلف دافع الضرائب شيئاً، ولذا فحتى إذا أدانت المفوضية الحزب لا يحتمل أن تنقص شعبيته.
ميزانية مجلس الوزراء لإصلاح الشقة والترميمات والأثاث محددة بثلاثين ألف جنيه سنوياً، والباقي (170 ألف جنيه فارق الإصلاحات) يدفعه الساكن (أي رئيس الحكومة) من جيبه الخاص. الاتهام (من رسائل بريد إلكتروني مسربة) أن اللورد براونلو، وهو رجل أعمال ومن ممولي حزب المحافظين، تبرع بـ58 ألف جنيه لتكاليف الديكور؛ وهناك «ادعاءات» بأن حزب المحافظين منح جونسون «قرضاً حسناً» بمائة ألف جنيه يدفعه في وقت لاحق.
جونسون يستطيع تسجيل التفاصيل في قائمة الامتيازات على موقع مجلس العموم (وهو أمر قسري على النواب والصحافيين البرلمانيين)، وقد يتلقى تأنيباً عن تأخره في التسجيل.
الخطورة أن زعيم المعارضة، السير كيير ستارمر، أرغم جونسون يوم الأربعاء على التأكيد لنواب البرلمان أنه دفع مصاريف الديكور من جيبه الخاص، ونفيه ما نسب إليه بشأن «الجثث في الشوارع».
إذا قوضت مفوضية الانتخابات مصداقية جونسون بشأن المصاريف، وظهر شهود يناقضون نفيه لعبارة «الجثث في الشوارع»، سيتهم بتضليل البرلمان، وهي تهمة يؤدي إثباتها بأي وزير إلى الاستقالة فوراً.