الشرق اليوم- تحاول الأنظمة الاستبدادية في موسكو وبكين استكشاف نقاط ضعف الدول الديمقراطية واختبار مدى استعدادها لتوحيد صفوفها والتصدي للمخاطر المطروحة عليها، ربما لم ينسّق البلدان تحركاتهما هذه المرة، لكنهما مستعدان لإطلاق خطوات مشتركة مستقبلاً، ويجب أن تقوم الأنظمة الديمقراطية بالمثل ويُفترض أن تضطلع كندا بدور بارز لتحقيق هذا الهدف.
يُركّز المراقبون على حدثَين جديدَين في الفترة الأخيرة: بدأت روسيا تحشد قواتها العسكرية وأسلحتها على حدودها مع أوكرانيا وتغلق أجزاءً من البحر الأسود، وزادت الصين استفزازاتها في أجواء تايوان ومحيطها ومياهها الإقليمية وفي بحر الصين الجنوبي.
ورغم إعلان وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، حديثاً عن عودة بعض القوات العسكرية إلى قواعدها، تبقى الأزمتان اللتان يلوّح بهما النظامان الروسي والصيني حقيقيتَين وقد تصبحان من أهم المسائل الاستراتيجية التي سيضطر الغرب للتعامل معها في المرحلة المقبلة.
نظراً إلى تصرفات هذا النوع من الأنظمة الاستبدادية، ثمة حاجة غير مسبوقة إلى تنسيق الجهود وتعزيز التضامن بين ديمقراطيات العالم، إذ يبحث النظامان الروسي والصيني عن نقاط ضعف الآخرين ويحاولان استغلال خلافاتهم، وهما يختبران قوة إرادة الغرب وقدرته على المقاومة، وتستطيع كندا أن تشارك في تقوية الديمقراطية والدفاع عن حلفائها وشركائها ضد الاعتداءات الاستبدادية.
قد تبدأ الحكومة الكندية باتخاذ ثلاث خطوات فورية لإثبات تصميمها على معالجة هذه التحديات:
أولاً، يجب أن توقف الحكومة الفدرالية الأمنيات الإيجابية التي تتوقعها من الصين وروسيا وتتقبل الواقع وتضعهما في مصاف الخصوم الاستراتيجيين الأساسيين. هذان البلدان لا يشبهان المنافسين العاديين الذين يحملون نوايا حسنة في جميع تحركاتهم، ولا يشبهان الخصوم الذين يحترمون القواعد الأساسية للنظام الدولي.
يسعى هذا النوع من الخصوم إلى إضعاف مجتمعات ومؤسسات الغرب والتدخل في انتخاباته، وقد يلجأ إلى أساليب مثل الابتزاز الاقتصادي وخطف المواطنين الكنديين وتهديدهم على الأراضي الكندية، وغزو شركاء كندا وتهديد حلفائها، ويجب أن تعترف كندا بهذا الواقع كي تتمكن من تغيير العقلية السائدة في أوساط السياسة الخارجية وتحويلها من واقعية زائفة (أي اعتبار الجمود والتردد شكلاً من الحذر) إلى رؤية عقلانية وواضحة تسمح بالتعامل مع التحديات المُلحّة راهناً.
ثانياً، يجب أن تقترح كندا استضافة قمة الديمقراطية العالمية التي تتكلم عنها إدارة جو بايدن في الولايات المتحدة، ويُفترض أن يكون التصدي للاعتداءات الروسية في أوكرانيا والرد على استفزازات بكين في شرق آسيا جزءاً أساسياً من أجندة تلك القمة.
إنها خطوة عملية كي تثبت كندا للجميع أنها تدرك أكبر التحديات المطروحة في العقد المقبل وأنها جدّية في مساعيها لأداء دور مؤثر في تنسيق جهود العالم الحر رداً على اعتداءات الدول الاستبدادية واستفزازاتها.
تتمتع كندا بالقدرة المؤسسية اللازمة وحُسن النوايا المطلوبة وسط حلفائها في أوروبا ومنطقة المحيطَين الهندي والهادئ للمشاركة في تنظيم تلك القمة. بفضل هذه الجهود التنسيقية، ستثبت كندا أن قدراتها تفوق ما يتصوره البعض، وتؤكد للولايات المتحدة أنها دولة جدّية ومستعدة لأداء الدور المطلوب منها في النظام العالمي المتبدّل.
أخيراً، يجب أن تعلن الحكومة الكندية دعمها الصريح لمنح “جائزة جون ماكين للقيادة في الخدمة العامة” من “منتدى هاليفاكس للأمن الدولي” إلى رئيسة تايوان، تساي إنغ ون، وسيكون هذا الدعم العلني لزعيمة مُنتخَبة ديمقراطياً في بلدٍ يواجه تهديداً مستمراً بالغزو الصيني إثباتاً قوياً على استعداد كندا لدعم الديمقراطيات حول العالم.
هذا القرار سيحظى بدعم معظم الكنديين وسيثبت في الوقت نفسه أن تصريحات الحكومة حول تبني “سياسة خارجية نسوية” ليست مجرّد مواقف شفهية.
تحاول الأنظمة الاستبدادية في موسكو وبكين استكشاف نقاط ضعف الدول الديمقراطية واختبار مدى استعدادها لتوحيد صفوفها والتصدي للمخاطر المطروحة عليها. ربما لم ينسّق البلدان تحركاتهما هذه المرة، لكنهما مستعدان لإطلاق خطوات مشتركة مستقبلاً، ويجب أن تقوم الأنظمة الديمقراطية بالمثل ويُفترض أن تضطلع كندا بدور بارز لتحقيق هذا الهدف.
المصدر: صحيفة الجريدة