بقلم: د. عبدالله جمعة الحاج – صحيفة “الاتحاد”
الشرق اليوم – في منطقة الخليج العربي، وتحديداً في دول مجلس التعاون الخليجي، لم يعرف المواطنون في هذه المرحلة من تاريخهم مصطلح مجاعة، فهي في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية لم تمر بهم، وكفاهم الله شرها، نظراً للخير الوفير الذي يعيشون فيه منذ خمسينيات القرن العشرين.
لكن ذلك لا يعني عدم وجود مشكلة في تموينات الغذاء بشكل عام، ويعود السبب في ذلك أن دول المجلس الست جميعها دول ليست زراعية لأسباب بيئية ومناخية، وتعتمد في أغذيتها الرئيسة على الاستيراد من الخارج.
إن أي نقص يحدث في تدفق الأغذية من الخارج يعني نقصاً في معظم كميات الغذاء اليومية التي تصل إلى المواطنين، وتزودهم بالطاقة التي يحتاجونها يومياً.
ونحن في دولة الإمارات مثلاً لا زلنا نستهلك ما فيه الكفاية من الغذاء الذي يزودنا بمعدل الطاقة الإنسانية التي نحتاجها في اليوم، والتي تقدر بحوالي ثلاثة آلاف سعرة حرارية، لكن غيرنا من المواطنين على امتداد العالم العربي لا يحصلون على نصف هذه الكمية من السعرات.
فعلى العكس من ذلك يلاحظ بأنه في العديد من الدول العربية – والبعض منها زراعية وشعوبها تعيش على الزراعة لآلاف السنين – يوجد على الأقل ما يقارب المائة مليون نسمة ممن يحصلون على ألف وخمسمئة سعرة حرارية يومياً أو حتى أقل من ذلك.
هؤلاء البشر، يستهلكون نصف ما يحتاجون إليه تقريباً من الذي يستهلك في دول مجلس التعاون، وبذلك فهم مجبرون على المعاناة ليس من نقص الغذاء فقط، ولكن من الضعف المتزايد في الأجسام والعقول وتدهور الصحة بشكل عام.
إن أعداد ضخمة من هؤلاء المواطنين العرب يتمركزون في المدن الكبرى، وعلى هوامشها، وفي المناطق الصناعية منها. وهذه المشكلة ليست لدى العرب وحدهم، لكنها تعم جميع دول العالم النامي في آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية، وربما أن العرب أفضل حالاً بكثير من غيرهم.
والملاحظ بشكل عام أن نقص الغذاء، وربما المجاعة يطال سكان المدن الكبرى أكثر من غيرهم، وبأن سكان الأرياف والقرى والبلدات الأقل اكتظاظاً بالسكان يعيشون ظروفاً معيشية أفضل من غيرهم من ناحية توفر الغذاء لديهم.
وربما أن وصف الأوضاع كما هي اليوم يميل إلى الجانب المتفائل، فما هو قائم من خطورة ومآس آتية من نقص الغذاء والجوع أشد وأعظم، وتتعمد العديد من الحكومات إخفاءها حتى لا تثور عليها شعوبها. فمن يوم إلى آخر، ومن شهر إلى آخر، ومن سنة إلى أخرى الأوضاع في الكثير من المناطق والدول تتدهور بشكل سريع، والعالم أجمع يقف متفرجاً لا يرى ولا يسمع، ولا يقول أو يفعل شيئاً تجاه هذه الأوضاع المزرية التي ترتبط بنقص الغذاء والمجاعة.
إذن، ما الذي يحدث لمحاصيل العالم الزراعية على مدار السنين؟ هل ينتج العالم كميات أقل من الغذاء من تلك التي تحتاجها البشرية لكي تسد رمقها، أم هي بكل بساطة سوء توزيع أم مشكلات مواصلات ونقل ينتج عنها سوء التوزيع هذا؟ أم هي مشكلة نقص في العملات الصعبة لدى دول العالم النامي لا يمكنها من شراء الغذاء لشعوبها؟ أم هي مشكلة جفاف وندرة في المياه؟ والحقيقة هي أن جميع هذه العناصر تزيد في تفاقم المشكلة، فجزئياً هي مشكلة مواصلات داخلية في العديد من الدول، حيث يصعب نقل الغذاء من أماكن إنتاجه إلى المحتاجين إليه.
لكن بمقدار كبير هي عدم قدرة دول العالم الفقيرة على توفير العملات الصعبة لشراء الأغذية الأساسية من الخارج، خاصة الحبوب من قمح وأرز وذرة التي تشكل أعمدة الغذاء لدى أمم الأرض. وأمر آخر مهم أن المشكلة تكمن في الجفاف وفشل المواسم الزراعية بسبب ندرة المياه.
إن هذا الفشل يحتم على البشرية أن تعترف بأن الحد الأقصى لنقص الغذاء لا يتم النظر إليه بجدية من الهيئات العالمية والدول التي تقود في عالم اليوم، فالأمر يتطلب سياسات وخططاً وبرامج عالمية للتغلب عليه، فما يتم حالياً من قبل هذه الجهات هو التخزين من أجل الحالات الطارئة فقط، لكن هذه المخزونات غير كافية، في حين أن ملايين الأطنان إما أن تذهب لأغراض غير الاستهلاك الآدمي، كأن تستخدم كأعلاف أو يصنع منها وقود السيارات.
ورغم أن العالم لا يستطيع فعل الكثير تجاه ذلك، إلا أننا نستطيع تقبلها كأخطاء نتعلم منها الدروس من أجل المستقبل.