بقلم: سام فازيلي – الشرق الأوسط
الشرق اليوم – فيما يتعلق بلقاحات فيروس «كوفيد ـ 19»، اتبعت بريطانيا نهجاً مختلفاً بعض الشيء؛ فعند بداية انطلاق جهود التطعيم عالمياً، شرعت المملكة المتحدة في حملة التطعيم لديها بإطالة أمد الفترة الزمنية بين الجرعتين الأولى والثانية فيما وراء الفترة الموصى بها من نتائج التجارب؛ وذلك سعياً من جانبها لتطعيم أكبر عدد من الأشخاص في أسرع وقت ممكن.
وبدلاً عن الالتزام بالفجوة الزمنية الموصى بها والتي تبلغ ثلاثة أسابيع فيما يتعلق بلقاح «فايزر ـ بيونتيك» أو من ستة إلى 12 أسبوعاً فيما يخص لقاح «أسترازينيكا» الذي أنتجته شركة «أسترازينيكا» بالتعاون مع جامعة أكسفورد، قررت الحكومة تمديد الأجل بين الجرعتين إلى 12 أسبوعاً لجميع الحالات. وكان هذا القرار بمثابة مخاطرة أثارت انتقادات من خبراء بمجال الصحة ومحللين (من بينهم أنا) والذين خالجهم القلق من أن تسفر هذه الخطوة التي لم تخضع لاختبارات من قبل إلى توفير مستوى أدنى من الحماية وإتاحة الفرصة أمام ظهور سلالات جديدة من الفيروس.
لحسن الحظ، نجحت المغامرة، وسارت حملة توزيع اللقاح على نحو جيد جاء كمفاجأة سارة. ومن بين العوامل التي عاونت في هذا الأمر حالة الإغلاق الصارمة طوال أربعة أشهر والتي تزامنت مع حملة توزيع اللقاح؛ الأمر الذي ساعد في تقليل معدلات الإصابة وتقليل مخاطرة تطور سلالات جديدة من الفيروس قادرة على مقاومة اللقاح. وبمرور الوقت، اتضح أنه كان من الخطأ الشعور بالقلق إزاء هذا التوجه. ويستحق العلماء وصانعو السياسات داخل المملكة المتحدة الإشادة عن نجاحهم في دفع البلاد نحو تحقيق معدل إصابات منخفض للغاية رغم التخفيف التدريجي للقواعد المفروضة.اليوم، نجد المملكة المتحدة تنشق عن الجمع من جديد فيما يخص اللقاحات على نحو يطرح مخاطر جديدة. إلا أنه في هذه المرة، ربما يكون الجمع هو الآخر مخطئاً في تقديره للمخاطر.
في خضم اكتشاف أن لقاح «أسترازينيكا» يمكن أن يسفر عن حالات نادرة من الجلطات الدموية الخطيرة، قررت بريطانيا فرض قيود محدودة على استخدام اللقاح، وأوصت بألا يحصل من هم دون الـ30 على اللقاح. ويعتبر هذا الحد العمري أقل بكثير عما أقرّته جميع دول غرب أوروبا الأخرى رغم احتمالات وجود تجلط أعلى بين الفئات العمرية الأصغر. ولدى جميع هذه الدول القدرة على الاطلاع على ذات البينات المتعلقة بحالات التجلط النادرة تلك وبإمكانها إجراء الحسابات ذاتها فيما يخص معدل المخاطرة. إذن، من منهما على صواب: بريطانيا أم باقي دول غرب أوروبا؟ من جانبي، أعتقد أن الاثنين جانبهما الصواب.
عند إجراء تقييمات للمخاطر والفوائد للقاحات، يتعين عليك أن تأخذ في الاعتبار خلفية معدلات الإصابة؛ لأن باستطاعتها تحديد ما إذا كانت مخاطرة التعرض لآثار جانبية تفوق ظهور المرض. عندما يكون هناك معدل أعلى للإصابة، تزداد مخاطرة الإصابة بأعراض حادة لفيروس «كوفيد ـ 19»؛ الأمر الذي يمكنه تبرير الإقدام على المخاطرة الأقل المتمثلة في الحصول على لقاح قد يسبب آثاراً جانبية. أما عندما تكون معدلات العدوى منخفضة والمخاطر كذلك، يصبح العكس صحيحاً. وهنا يكمن لبّ المسألة برمتها.
تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن كل من الوكالة التنظيمية للأدوية ومنتجات الرعاية الصحية داخل المملكة المتحدة وكالة الأدوية الأوروبية التابعة للاتحاد الأوروبي أصدرت رسوماً بيانية تكشف هذا التفاعل.
وبالنظر إلى معدل الإصابات المنخفض داخل المملكة المتحدة، فإن هذا يعني أنها تقدِم على مخاطرة مبالغ فيها في تعاملها مع لقاح «أسترازينيكا»، ويتعين عليها رفع الحد العمري لما هم فوق الـ55، حيث تقدر المخاطرة النسبية للتعرض لتجلطات 0.4 لكل 100.000 مقارنة بمخاطرة تبلغ 10.5 لكل 100.000 للحجز داخل وحدة رعاية مكثفة. وينبغي للمملكة المتحدة الإقدام على هذه الخطوة حتى لو كانت تعني إرجاء إجراءات إعادة فتح المجال العام بالبلاد.
وبالمثل، تبدو دول الاتحاد الأوروبي مخطئة في إبقائها على اللقاح مقتصراً على الأفراد الذين تزيد أعمارهم على 55 أو 60 بالنظر إلى المعدلات الأعلى نسبياً للعدوى والوفاة عبر المنطقة. وفي الوقت الذي لا يعتمد الاتحاد الأوروبي بشكل كامل على لقاح «أسترازينيكا»، فإن اللقاح يبقى مهماً في خضم القتال ضد الجائحة ويمكن أن يحول دون وقوع الكثير من الوفيات.
وبطبيعة الحال، يتضاءل كل ذلك مقارنة بالأحداث المأساوية الجارية في الهند، حيث ستحظى كل جرعة لقاح بتقدير مرتفع للغاية لصالحها في أي تقدير للمخاطر والفوائد. إلا أنه في نهاية الأمر يبقى النضال في مواجهة «كوفيد ـ 19» عالمياً، وحتى داخل المناطق التي تتراجع فيها معدلات الإصابة، يتسم نمط الاستجابة – بناءً على حسابات المخاطر والفوائد تبعاً للظروف الصحية المحلية – بأهمية محورية في إبقاء سير الأمور في المسار الصحيح والحد من وقوع مزيد من الأضرار.