BY: Yasmeen Serhan
الشرق اليوم – قبل أسابيع قليلة فقط، اعتبرت الهند نفسها في نهاية لعبة وباء كورونا، ولكنها الآن قد باتت مركز التفشي العالمي، فقد تجاوز عدد حالات الإصابة في البلاد أكثر من ٣٤٥ ألف حالة جديدة في اليوم الواحد، وهو أكبر رقم إجمالي تم تسجيله على مستوى العالم منذ بدء الوباء، كما أن خبراء الصحة العامة ليسوا متفائلين بأن هذه الأرقام ستنخفض في أي وقت قريب.
ويعد تفشي المرض في الهند مأساة هائلة لشعبها، ولكنه يمثل أيضًا كارثة بالنسبة لبقية دول العالم، حيث تعتمد 92 دولة نامية على نيودلهي، موطن معهد سيروم، أكبر مصنع للقاحات في العالم للحصول على الجرعات اللازمة لحماية سكانها، ولكن بات إنتاج المعهد الآن مقيدًا باحتياجات البلاد المحلية، وفي الوقت نفسه، فإن الفيروس التاجي قد بات يتحور، وهو ما يخشى الخبراء من أنه قد يكون الدافع وراء الموجة الأخيرة في البلاد، ولذا فإن هناك مخاوف من أن ما بدأ في الهند لن ينتهي عند هذا الحد.
وعلى الرغم من الجهود المبذولة لتقييد انتشار متغير كوفيد – 19 الجديد في الهند، فقد تم العثور عليه بالفعل في ما لا يقل عن 10 دول، بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا.
وإذا كان هناك وقت لازم للتدخل، فهو الآن.. لكن زعماء العالم، الذين طالما يتحدثون عن الحاجة إلى التعاون العالمي، منشغلون بالأوضاع الداخلية في بلادهم، وعلى الرغم من أن هذا النهج قد يكون خدم البلدان الغنية باللقاحات مثل الولايات المتحدة حتى الآن، إلا أن الأوضاع في الهند يمكن أن تخترق حدود هذه الدول.
ولكن كيف وصلت الهند، التي اعتقدت قبل شهر فقط أنها قد استطاعت التغلب على الوباء، إلى هذه النقطة؟ أخبرني نائب مدير برنامج آسيا في مركز ويلسون بواشنطن العاصمة، مايكل كوجلمان، أن الإجابة تكمن في مجموعة من العوامل التي تشمل المتغيرات الجديدة والحالية، واستمرار التجمعات السياسية والتجمعات الدينية التي يحضرها الأشخاص على نطاق واسع (دون تباعد اجتماعى أو ارتداء الكمامة)، وبطء الحكومة الهندية في الاستجابة للأزمة التي ادعت النجاح فيها قبل الأوان.
وكانت النتيجة هي امتلاء المستشفيات بالمرضى، والمشارح، ونفاد إمدادات الأكسجين، ومحارق الجثث التي تذوب من الاستخدام شبه المستمر، حيث تجاوز عدد حالات الوفاة 2000 حالة يوميًا خلال الأسبوع الماضي، وهذه هي الحالات التي تم تسجيلها فقط.
ويتوقع العلماء أن يصل عدد الوفيات اليومية في الشهر المقبل إلى 4500 حالة يومية، فيما يحذر آخرون من أنه قد يصل إلى 5500 حالة، وعلى الرغم من اختلاف التوقعات، إلا أن الاستنتاجات هي نفسها إلى حد كبير، حيث تشير كل الاتجاهات إلى ظلام حقيقي.
وقد أصبح الوضع مرعبًا للغاية لدرجة أن معهد سيروم- وهي الشركة المصنعة للقاح أسترازينيكا والمساهم الرئيسي في مبادرة «كوفاكس» لتقديم جرعات للبلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل- قال إنه لن يكون قادرًا على تلبية احتياجاته الدولية، وذلك في ظل النقص المحلي في الهند، حيث باتت الأخيرة، التي كانت تعتبر صيدلية العالم، مجبرة الآن على استيراد جرعاتها من اللقاح.
وكما كتبت من قبل، فإن حالات التفشي في أي مكان تشكل تهديدًا في كل مكان آخر، بما في ذلك البلدان الغنية باللقاحات مثل الولايات المتحدة.
وعلى الرغم من تلقيح 1% فقط من سكانها ضد كوفيد – 19، فإن الهند لديها القدرة على تصنيع 70 مليون جرعة شهريًا، ولكن حتى مع كل تلك الجرعات الموجهة نحو احتياجاتها المحلية، فهي ليست كافية لتلبية الطلب الهائل، ففي الوقت الحاضر تنتج الهند حوالي 3 ملايين جرعة يوميًا، ولكن لحماية سكانها البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة، فإن هذا المعدل يحتاج إلى زيادة ثلاثة أضعاف.
إن التبرع بالجرعات مباشرة إلى البلدان التي تحتاج إليها، بما في ذلك الهند، يعد أمرًا غير مقنع للعديد من البلدان، حيث إن معظم أولئك الذين لديهم لقاحات ليس لديهم ما يكفي منها، وأولئك الذين لديهم فائض هائل، مثل الولايات المتحدة، ليسوا واثقين بما يكفي في إمداداتهم للتخلي عن الفائض الموجود لديهم.
لكن هذه الدول يمكن أن تساعد بطرق عديدة أخرى، بما في ذلك رفع ضوابط التصدير عن المواد الخام المستخدمة في إنتاج اللقاحات، وهو ما طلبه الرئيس التنفيذي لمعهد سيروم، من إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن قبل أسابيع، وقد استجابت الحكومة الأمريكية يوم الأحد للطلب، معلنة أنها ستبحث في توفير المواد الخام اللازمة على الفور لمساعدة الهند في إنتاج لقاح أسترازينيكا، بالإضافة إلى الإمدادات الطبية الأخرى، وتعهدت الحكومتان البريطانية والألمانية بالدعم أيضًا.
كما يجب أن تدعم البلدان النداء الذي قدمته الهند وجنوب إفريقيا لمنظمة التجارة العالمية للتنازل المؤقت عن حقوق براءات الاختراع المتعلقة بلقاحات وعلاجات كوفيد – 19 بحيث يمكن تصنيعها محليًا، دون خوف من المقاضاة، من خلال البلدان التي لا تزال تكافح لتلقيح سكانها، وناشد أكثر من 70 من قادة العالم السابقين و100 من الحائزين على جائزة نوبل إدارة بايدن دعم التنازل، كما فعل العديد من المشرعين الأمريكيين.
وعلى الرغم من أن التطعيم الجماعي قد وفر مخرجًا من الوباء بالنسبة لبعض البلدان، فإن الهند تعد بمثابة تذكير صارخ بأنه لا يزال أمامنا طريق طويل، حيث يسير العالم الآن على الطريق لتسجيل وفيات ناتجة عن كوفيد – 19 هذا العام أكثر مما كان عليه في عام 2020، ولا تقتصر مخاطر تفشي المرض الحالي على تدمير أماكن مثل الهند على تلك البلدان وحدها، ولكن قد تؤثر المتغيرات الناشئة والمزيد من التأخير في توزيع اللقاح بشكل أكثر إنصافًا على الجميع، بمن في ذلك السكان الذين تم تلقيحهم بالفعل، ولذا فإن مشكلة الهند هي مشكلة العالم بأسره.
ترجمة: المصري اليوم