الرئيسية / مقالات رأي / تسريبات ظريف.. النّزوع غرباً!

تسريبات ظريف.. النّزوع غرباً!

بقلم: محمد قواص – النهار العربي


الشرق اليوم – يكاد الاتفاق النووي مع إيران لعام 2015 يكون هدية مجانية يقدمها الغرب، الأميركي الأوروبي، الى روسيا والصين، بحيث يوفر لهما إيران آمنة خاضعة لنفوذ البلدين. غير أن هذا الاتفاق يمثل في الوقت نفسه خريطة طريق مقلقة للروس والصينيين، من حيث طبيعته الجاذبة لطهران نحو خيارات مفتوحة، توفر لإيران هامشاً متاحاً من الاستقلالية عن أجندات موسكو وبكين.
جاء القلق من البرنامج النووي الإيراني من دول الشرق الأوسط، كما من الدول الأوروبية التي باشرت ممارسة الضغوط والتفاوض حول الأمر (2004)، قبل أن تلتحق الولايات المتحدة (2009)، وتدبر بعد سنوات قناة تواصل خلفية مع إيران في مسقط، وتفرض على بقية دول مجموعة الخمسة زائداً واحداً (روسيا، الصين، ألمانيا، فرنسا، بريطانيا) صيغة اتفاق فيينا الشهير (2015).
ولئن عبّرت إسرائيل والدول الغربية عن تخوف من امتلاك إيران القنبلة النووية، فإن الأمر في حال حدوثه سيكون صاعقاً للصين وروسيا وليس لمصلحتهما في حسابات المشهد الجيوستراتيجي. لا بل إن الأمر قد يقلب موازين القوى، ويحوّل إيران عاملاً معطّلاً للنظام الدولي الجديد الذي تتطور ملامحه منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، وتستفيد منه بكين وموسكو مع صعود نجم شي جين بينغ في الصين وفلاديمير بوتين في روسيا.
والحال أن مدارس في الفكر الاستراتيجي في الولايات المتحدة العاملة على سيناريوهات التصدي للصين وروسيا، راحت تروّج لسيناريو مفاده أن حصول إيران على القنبلة النووية، أو ضبط برنامجها النووي وفق محفزات أميركية غربية، من شأنه جذب طهران غرباً، وتحييدها عن حسابات بكين وموسكو في صراعهما مع الغرب. ولا عجب هنا أن الاتفاق النووي بدا أميركي الهندسة غربي الشكل تلتحق به، وربما مرغمة، روسيا والصين.
والحال أن ما كشفه تسريب تسجيل لوزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أخيراً، والذي أثار ردود فعل لافتة، يميط اللثام، في الجزء المتعلق بموقف روسيا ودورها داخل الاتفاق النووي، عن سعي موسكو إلى تخريب الاتفاق والطعن ببعض بنوده، لا سيما بما يتعلق بوقود محطة بوشهر النووية، ناهيك بتنشيط موسكو علاقاتها بالحرس الثوري والجنرال قاسم سليماني، وتجاوز وزارة الخارجية وشخص ظريف ودوره في إبرام اتفاق فيينا، بهدف “تدمير إنجازاتنا”، وفق التسريب.
ولا يتردد ظريف، الذي يتحدث عن احتكاك شخصي حصل بينه وبين نظيره الروسي سيرغي لافروف، عن تفسير الامتعاض الروسي من إبرام الاتفاق النووي، مشيراً إلى أنه “ليس من مصلحة روسيا أن تطبّع طهران علاقاتها مع الغرب”.
والحال أن روسيا التي رعت برنامج إيران النووي (1995) فوفرت له التكنولوجيا والوقود المخصّب، لن تنظر بعين الرضا إلى اتفاق دولي يضع البرنامج تحت أعين الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويجيز لطهران تخصيب اليورانيوم (3067 في المئة)، أي الاستغناء عن الوصاية الروسية في هذا الصدد.
والواقع أن الشارع الإيراني عبّر عن فرحة غريزية عارمة عند الإعلان في نيسان (أبريل) 2015 عن التوصل في لوزان بسويسرا إلى اتفاق إطار لتسوية الملف الخلافي الكبير. ذلك أن المواطن، كما المجتمع، كما أصحاب الأعمال والمصالح، رأوا في الاتفاق تطبيعاً لعلاقات بلدهم مع العالم الغربي.
في المقابل، وبرغم الإعلان في 27 آذار (مارس) الماضي عن اتفاق استراتيجي “أسطوري” بين إيران والصين تستثمر به الأخيرة 400 مليار دولار لمدة 25 عاماً، فإن الشارع الإيراني استقبل الحدث بفتور وتحفظ، لا بل إن أصواتاً مشككة، كتلك التي صدح بها الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، رفضت الاتفاق واعتبرته صفقة مشبوهة دُبّرت من وراء ظهر الإيرانيين وعلى حساب ثروات بلدهم وسيادته.
على هذا تعمل روسيا هذه الأيام، ومن خلال ميخائيل أوليانوف، مندوبها الدائم لدى المنظمات الدولية في فيينا، على الدفع بالمفاوضات هناك بما يعيد إيران إلى التراجع عن اختراقاتها المقلقة للاتفاق النووي والالتزام بحذافيره.
تقارب روسيا الأمر من زاوية ضعف إيران وحاجتها إلى الرعاية الروسية، ومن زاوية استخدامها إيران في حساباتها الإقليمية كما في صراعها مع الولايات المتحدة. وتعتبر موسكو أن البرنامج النووي سيساهم في تدجين إيران داخل مساحة النفوذ الروسي، ويمنعها من اقتناء سلاح نووي قد يضعف مكانة روسيا الدولية، خصوصاً إذا ما ساقت تحوّلات ما، إيران إلى أن تحظى بدعم غربي على رقعة الصراع الدولي.
والسريالية تكمن في أن “صفقة القرن” التي أعلن عن إبرامها بين الصين وإيران لا يمكن أن تكون مثمرة لبكين إلا على أرضية تطبيع علاقات إيران مع العالم. بمعنى آخر، فإن الصين غير مهتمة بالاستثمار داخل بلد معزول عن الدوائر الاقتصادية والمالية والمصرفية الدولية. كما أن إيران نفسها التي سعت الى استخدام تلك الصفقة لتحسين موقعها حيال واشنطن، لا تغفر للصين وروسيا عجزهما، وربما إعراضهما عن تعويض طهران ما خسرته من الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي، وبالتالي فإن طهران تدرك أنه لا يمكن التعويل كثيراً على التحالف مع البلدين طالما غاب توافق طهران مع الغرب.
لا تريد واشنطن أن تتمتع إيران بقوة نووية تجعلها دولة عظمى. بيد أن روسيا والصين تسعيان بخبث إلى ذلك أيضاً. والأدهى في علم الاستراتيجيا أن موقع الولايات المتحدة في العالم قد لا يتأثر داخل الاحتمال النووي الإيراني، فيما الأمر بالنسبة لروسيا والصين يرقى إلى مستويات الخطر الحيوي المباشر. هنا فقط يتلطى البلدان خلف الحرد الأميركي لدفع ذلك الكابوس.
والمتأمل بعناية في حدث تسريب تصريحات ظريف، سيلاحظ بسهولة تمريناً ماكيافيلياً يتقدم من خلاله صاحب التصريح وما ومن ورائه بأوراق اعتماد جديدة لدى الولايات المتحدة.
كشفت التصريحات ذماً بسليماني الذي أعلنت الولايات المتحدة رسمياً اغتياله في 3 كانون الثاني (يناير) 2020، بما أوحى بأن “الإنجاز” الأميركي الذي أعاد مايك بومبيو تذكير جو بايدن بمحاسنه يلاقي ما كان ظريف يشكو منه ويلمح إلى أن الحدث نقل إيران من طور إلى آخر. وفي ثنايا أوراق الاعتماد هذه شكوى، في عزّ مفاوضات فيينا، بحقّ روسيا ووزير خارجيتها اللذين يضمران شراً باتفاق دبّرته تفاهمات ثنائية إيرانية أميركية، جرت في ليل، لم تعلم بها موسكو ولا بكين.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …