بقلم: رفيق خوري – اندبندنت عربية
الشرق اليوم- كل الأضواء مسلطة على مفاوضات فيينا من أجل خريطة طريق لعودة أميركا للاتفاق النووي، وعودة إيران لالتزاماتها بموجبه، وهاجس الجميع الذي يبدو تبديده ملحاً هو حصول جمهورية الملالي على القنبلة النووية، فلو لم يكن للبرنامج النووي الإيراني جانب عسكري لما تحمّلت طهران المُرهقة اقتصادياً كُلفاً باهظة جداً بمليارات الدولارات، وعقوبات قاسية على مدى سنين طويلة، وآخر ما يُطمئن البلدان القلقة هو حديث الملالي عن “سلمية” البرنامج، وفتوى المرشد الأعلى خامنئي بتحريم السلاح النووي، فلا أحد رأى نص الفتوى، أو يجهل أن الفتوى تنسفها فتوى أخرى، والمسألة ليست مجرد اتفاق أو لا اتفاق يضع قيوداً ورقابة دولية على نسبة تخصيب اليورانيوم، ويسد الطريق على امتلاك القنبلة النووية، فالتجارب أكدت قدرة طهران على الغش والحفاظ على العمل سراً لامتلاك المعرفة ثم السلاح النووي، والمسألة هي أيضاً تصميم الملالي على امتلاك “قنبلة أكبر” في إطار مشروع هو “القنبلة الأكبر”.
ذلك أن “ثورة الخميني” تتميز عن كل الثورات في العالم، ليس فقط بالرفض القاطع لأن تصبح “دولة”، بل أيضاً بالحرص على نشر الثورات في كل مكان، وهذا ما تخلى عنه الاتحاد السوفياتي في سنواته الأولى بالقطع مع تروتسكي، ونظرية “الثورة الدائمة” في العالم واعتماد نظرية “الاشتراكية في بلد واحد”.
وما تخلت عنه الصين بعد ماوتسي تونغ، حتى الأحزاب الشيوعية المرتبطة بالمركز السوفياتي، فإنها كانت أحزاباً سياسية بلا سلاح، والناصرية كانت تياراً كبيراً، لكنها لم تصبح أحزاباً سياسية في بلدان عدة إلا بعد رحيل جمال عبدالناصر، وفروع البعث في الأقطار العربية لم تحمل أسلحة حين تولى البعث السلطة في العراق وسوريا.
أما ثورة الخميني فأنشأت الحرس الثوري إلى جانب الجيش، وجعلت “فيلق القدس” قوته الضاربة في الخارج، وأقامت ميليشيات مسلحة مرتبطة بفيلق القدس، “حزب الله” في لبنان، و”الحشد الشعبي” في العراق، و”لواء زينبيون” من شيعة باكستان، ولواء “فاطميون” من شيعة أفغانستان، و”أنصارالله” في اليمن.
ويعترف الجنرال رحيم صفوي، كبير المستشارين العسكريين للمرشد الأعلى علي خامنئي، بأن قائد فيلق القدس الذي اغتالته أميركا الجنرال قاسم سليماني “أنشأ 82 لواء في سوريا والعراق تضم مقاتلين من جنسيات عدة، منها 60 لواء في سوريا ضمت 70 ألف مقاتل”.
ووظائف هذه الميليشيات الأيديولوجية المذهبية المسلحة ثلاث،
تشكيل أطواق حماية لنظام الملالي في إيران والقيام بحروب صغيرة بالوكالة عنه.
مقاومة إسرائيل وأميركا و”داعش” و”جبهة النصرة.”
الاستعداد للإمساك بالسلطة حين تدق الساعة، وخامنئي أعلن بوضوح “أن الجمهورية الإسلامية تقود العالم في مواجهة أميركا، وهي بموقفها هذا فجرت قنبلة أقوى بمئات المرات من قنبلة هيروشيما”، وقائد فيلق القدس بعد سليماني الجنرال إسماعيل قاآني لم يتردد في القول، “سنحطم عظام أميركا المجرمة، وسيُسمع صوت تحطم عظامها التي صارت في طور الطحن في الوقت المناسب”.
هذه “القنبلة الكبيرة” هي مرحلة على الطريق إلى “القنبلة الأكبر”، ما هي؟ شيء أعظم من “إيران عظمى” تحدث عنها الجنرال محسن رضائي. شيء تعمل له الميليشيات التابعة لفيلق القدس في العراق وسوريا ولبنان واليمن، والتي وراء أنشطتها “دافع أيديولوجي” باعتراف الجنرال قاآني، ما الهدف؟ جواب قاآني أخيراً هو “كل يوم نقوم بخطوة أساسية ضد أعداء الثورة، أميركا والنظام الصهيوني، وسنواصل السير على هذا الطريق حتى قيام الحكم العالمي للمهدي المنتظر”، وليس هذا سراً، فهو وارد في دستور الخميني الذي نص على “بناء الأمة الواحدة في العالم” بحيث “تتحقق حكومة المستضعفين في الأرض”، وهو ما تحدث عنه خامنئي في وثيقة “النموذج الإسلامي الإيراني للتقدم: رؤية خلال 50 عاماً”، إذ حدد 50 سنة لإقامة “الحكومة الإسلامية” التي تسبق “المجتمع الإسلامي”، لأن “تحقيق الخلافة الإلهية أساس نظرية ولاية الفقيه”، وما كان محمود أحمدي نجاد خلال رئاسته خارج السرب عندما تحدث عن “رسائل وعلامات”، وقال إن “المهدي سيظهر، واستعدوا لنحكم العالم”، ولا كانت الأحاديث عن تسليم السلاح غير الشرعي وتحول الميليشيات المسلحة الإيرانية الى أحزاب سياسية بعد تحرير الأرض والتخلص من “داعش” وحتى تحرير فلسطين، سوى أحلام رومنطيقية، لأن الميليشيات هي جنود في “جيش المهدي”.
ولا مهرب من مواجهة هذا الواقع، وإن اختلط بالغيب وكان تحقيق “الحكم العالمي للمهدي المنتظر” مهمة مستحيلة.