بقلم: حازم الغبرا – العرب اللندنية
الشرق اليوم- سوق المال الأميركي لا يؤثر على الأميركيين فقط، بل يتردد صدى أي تحركات فيه على أسواق العالم كافة. أكبر مثال على ذلك كان الأزمة المالية التي سببتها صكوك الديون العقارية الأميركية عام 2008 وأدت إلى ركود اقتصادي أصاب الولايات المتحدة لينتقل كالنار في الهشيم إلى أسواق أوروبا وآسيا والعالم أجمع.
وهنا يكمن خطر الخطة الضريبية التي اقترحها الرئيس الأميركي جو بايدن الأسبوع الفائت والتي تركز على رفع كبير في النسبة الضريبية على الأرباح التجارية وعوائد رؤوس الأموال والاستثمارات.
تحتاج الحكومة الأميركية اليوم لجني المزيد من الضرائب لتمويل المشاريع الجديدة التي أصبح تنفيذها ضرورة ملحة، خصوصا في ما يتعلق بإصلاح البنية التحتية المتهالكة بالإضافة إلى مشاريع الخدمات الاجتماعية وتطوير التعليم التي وعد بها الرئيس بايدن خلال حملته الانتخابية.
وتنقسم هذه المشاريع الجديدة، والتي ستكلف الخزينة الأميركية ما يزيد عن أربعة ترليون دولار، إلى قسمين. البنية التحتية الملموسة والتي ستركز على بناء وإصلاح البنية الخدمية المدنية بما فيها الطرقات والجسور والمطارات، وما تسميه إدارة بايدن البنية التحتية الإنسانية وتشمل التعليم ورعاية الأطفال وبناء القدرات العملية والعلمية للشباب الأميركي ودعم مادي للأسر الفقيرة. ولا تشمل هذه الخطة الرعاية الصحية التي يتوقع أن تكلّف 700 مليار دولار إضافية.
وتركز الخطة الضريبية التي من شأنها تمويل هذه المشاريع على رفع نسب الضرائب على من يدعوهم الرئيس بايدن بالأغنياء وذوي الدخل العالي. حيث سيواجه هؤلاء الذين يفوق دخلهم المليون دولار سنويا ضعف النسبة الضريبية على مردودهم من الأرباح التجارية والاستثمارية إن نفذت الخطة لترتفع النسبة من 20 في المئة إلى حوالي 40 في المئة. كما سترتفع النسبة الضريبية على الدخل الذي يفوق 400 ألف دولار سنويا من 37 في المئة إلى ما يقرب 40 في المئة لتعود هذه النسبة إلى ما كانت عليه قبل الإصلاحات الضريبية التي نفذها الرئيس السابق دونالد ترامب.
يتخوف المحللون من تأثير هذه القفزات الضريبية على سوق المال والاستثمارات في وقت ما زالت الولايات المتحدة ومعظم دول العالم في طور التعافي من تداعيات أزمة كورونا الاقتصادية. فهذه الضرائب ستؤثر مباشرة على الاستثمارات في الولايات المتحدة، سواء كانت تعود للمستثمرين الأميركيين أو للأجانب. وبالفعل كان رد فعل السوق على خبر الضرائب الجديدة سريعا وعنيفا حيث انخفضت المؤشرات الكبرى في أميركا وخارجها، كما خسرت العملات الافتراضية الأساسية ما يقارب 20 في المئة من قيمتها بشكل شبه فوري.
كما يرى المحافظون من الجمهوريين في خطة بايدن تصرفا على طريقة “روبن هود” يعتمد على سحب المال من الأغنياء بقوة الدولة وضخه للفقراء في توجه لا يلائم الطبيعة الرأسمالية للنظام الأميركي.
ويستعد الطرفان الجمهوري والديمقراطي لنزال حتمي حول هذه الضرائب الجديدة والمشاريع التنموية. ومع أن الحزب الديمقراطي يسيطر اليوم على البيت الأبيض والكونغرس الأميركي بشقّيه، إلا أن جعبة الجمهوريين ليست خالية تماما وقد يستطيعون تعطيل هذا المشروع أو على الأقل مهاجمته علنا بغية تأليب الرأي العام على الديمقراطيين بشكل قد يؤذيهم في الانتخابات النصفية في العام المقبل.
وبالرغم أن الولايات المتحدة تتربع على عرش الاقتصاد العالمي دون منازع بسبب نظمها المصرفية والقانونية والضريبية التي تشجع على الاستثمار، إلا أن رفع نسبة الضرائب بشكل سريع وغير مدروس قد يفتح مجالات لدول أوروبية أو آسيوية أو عربية لمنافسة أميركا في مضمارها الأبرز. فكما أصبحت الولايات المتحدة وجهة لرؤوس الأموال والاستثمارات العالمية، قد تستطيع دولة أخرى إغراء رأس المال الأميركي وجرّه إلى أرضها.
لكن، وعلى المدى القصير، من المحتم أن يسبب رفع النسب الضريبية انخفاضات حادة وآنية في أسواق المال عندما يقوم المستثمرون ببيع أسهمهم وصكوكهم قبل أن تصبح القوانين الضريبية الجديدة نافذة. وقد تؤدي هذه التحركات في السوق إلى كساد ريثما يتأقلم المستثمر مع الواقع الضريبي المستحدث.