بقلم: د. أحمد يوسف أحمد – صحيفة “الاتحاد”
الشرق اليوم – صعدت تصريحات نجلاء المنقوش، وزيرة الخارجية الليبية في جلسة الاستماع التي عقدتها لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الإيطالي، الجمعة الماضي، حول انسحاب القوات التركية من ليبيا، من الجدل الدائر حول مصير هذه القوات.
وجاء في تلك التصريحات أن حكومة الوحدة الوطنية الليبية بدأت حواراً مع تركيا، وأنها لاحظت استعداد أنقرة لبدء المباحثات والمفاوضات، وأضافت: «نحن حازمون في نوايانا ونطلب من جميع الدول التعاون من أجل إخراج القوات الأجنبية من الأراضي الليبية. الأمر بالنسبة لنا يتعلق بمسألة ذات أولوية لأن أمننا يعتمد على انسحاب القوات الأجنبية.. نحن نعلم أنها ليست مسألة يمكن حلها بين عشية وضحاها، لكننا واثقون استناداً للاستعداد الذي لاحظناه».
وقد رفض المجلس الأعلى للدولة برئاسة خالد المشري تصريحات المنقوش، وجاء في تصريحات نسبتها شبكة «سي إن إن» للمجلس: «ليس من اختصاص هذه الحكومة إلغاء أي اتفاقات شرعية سابقة أو تعديلها بحسب ما تنص عليه الفقرة العاشرة من المادة السادسة من خريطة الطريق» (التي بُني عليها مسار التسوية الحالي في ليبيا). وأضافت التصريحات: «نؤكد على الاتفاقيات الموقعة مع الدولة التركية بشقيها، كما نحترم أي اتفاقيات سابقة في أي مجال وُقعت مع دول أخرى». وحرصت التصريحات على أن تنفي عن المجلس شبهة القبول بوجود قوات أجنبية على الأراضي الليبية بالقول: «بخصوص وجود قوات أجنبية على الأراضي الليبية، فهذا مبدأ مرفوض جملة وتفصيلاً، ويجب ألا يكون محل نقاش أو مزايدة من أحد، غير أن الجميع يجب أن يعي جيداً الفرق بين المرتزقة وبين وجود قوات بناءً على الاتفاقيات المبرمة».
كما نقلت «سي إن إن» عن «حزب العدالة والبناء» الليبي القريب من جماعة «الإخوان المسلمين» أن تصريحات وزيرة الخارجية تثير الاستغراب وسط استمرار وجود المرتزقة وورود تقارير دولية تفيد بتوريد شحنات سلاح إلى حفتر.
وثمة ملاحظات مهمة على هذا الجدل المتصاعد حول وجود القوات الأجنبية في ليبيا، تبدأ بأن ما يثير الاستغراب حقيقة ليس تصريحات الوزيرة، وإنما ردود الفعل عليها. فمن الواضح أن وزيرة الخارجية واعية تماماً بما جاء في تصريحات المجلس الأعلى للدولة بخصوص عدم اختصاص حكومة الوحدة الوطنية بإلغاء أي اتفاقات شرعية سابقة أو تعديلها بموجب خريطة الطريق، بدليل أنها لم تُثِر من قريب أو بعيد مسألة إلغاء الاتفاقيات أو حتى عدم شرعيتها (رغم أن هذا حق لتوقيعها من حكومة انتهت ولايتها وعدم تصديق البرلمان عليها)، وإنما تحدثت عن مبدأ عام لا يمكن لوطني أن يجادل فيه، وهو أن أمن أي دولة لا يمكن أن يتحقق في ظل وجود قوات أجنبية لا يوجد إجماع وطني عليه. ثم إنها تحدثت عن الوسيلة وهي الحوار، أي أن الوزيرة لا تسعى إلى صدام، وإنما تسعى لتحقيق الهدف بوسائل دبلوماسية يقوم نجاحها على التراضي، فلم الانزعاج إذن؟ بل أضافت إلى مبدأ الحوار أن الأمر لن يتحقق بين عشية وضحاها، ومع ذلك فالانزعاج يعود إلى الإدراك التام مِن قِبَل مَن عبَّروا عنه بأن وجود القوات التركية إلى حين إجراء الاقتراع ضمانة لهم للانقلاب على نتائجها التي تفيد خبرة الانتخابات السابقة أنهم سيخسرونها، وهم يتذرعون كالعادة بالتفرقة بين المرتزقة الذين يتهمون خصومهم بالاستعانة بهم، متجاهلين أن العالم كله شاهد على نقل آلاف المرتزقة إليهم من خارج ليبيا وبين القوات الأجنبية الموجودة وفقاً لاتفاقات يحسبونها شرعية وهو ما سبق تفنيده. والواقع أن هذا الجدل يؤكد ضرورة التأكد من توفير الضمانات الكافية لنزاهة الانتخابات وحماية نتائجها.